يمكن تداركه بالسد وهذا لا سبيل إلى تداركه (قالَ) يعني الخضر (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) قيل زاد في هذه الآية قوله لك لأنه نقض العهد مرتين ، وقيل إن هذه اللفظة توكيد للتوبيخ فعند هذا (قالَ) موسى (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي) قيل إن يوشع كان يقول لموسى يا نبي الله اذكر العهد الذي أنت عليه ، قال موسى إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة فلا تصاحبني ، أي فارقني لا تصاحبني (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) قال ابن عباس : أي قد أعذرت فيما بيني وبينك ، وقيل معناه اتضح لك العذر في مفارقتي والمعنى أنه مدحه بهذه الطريقة من حيث أنه احتمله مرتين أولا وثانيا مع قرب المدة (ق) عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «رحمة الله علينا وعلى موسى وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه لولا أنه عجل لرأى العجب ، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة فقال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فلو صبر لرأى العجب» قوله ذمامة هو بذال معجمة أي حياء وإشفاق من الذم واللوم ، يقال ذممته ذمامة يعني لمته ملامة ويشهد له قول الخضر هذا فراق بيني وبينك.
قوله سبحانه وتعالى (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) قال ابن عباس : يعني أنطاكية وقيل الأيلة وهي أبعد الأرض من السماء وقيل هي بلدة بالأندلس (اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) قال أبي بن كعب عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم «أتيا أهل قرية لئاما فطافا في المجلس فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما». وروي أنهما طافا في القرية فاستطعماهم فلم يطعموهما واستضافاهم فلم يضيفوهما. وعن أبي هريرة قال : أطعمتهما امرأة من أهل بربر بعد أن طلبا من الرجال فلم يطعموهما فدعا لنسائهم ولعن رجالهم. وعن قتادة قال : شر القرى التي لا تضيف الضيف (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) أي يسقط وهذا من مجاز الكلام لأن الجدار لا إرادة له ، وإنما معناه قرب ودنا من السقوط كما تقول داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت تقابلها ، فاستعير لها النظر كما أستعير للجدار الإرادة. (فَأَقامَهُ) أي سواه ، وفي حديث أبي بن كعب عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال الخضر بيده هكذا فأقامه وقال ابن عباس : هدمه وقعد يبنيه. (قالَ) يعني موسى (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) يعني على إصلاح الجدار جعلا والمعنى أنك قد علمت أنا جياع ، وأن أهل القرية لم يطعمونا فلو اتخذت على عملك أجرا.
(قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢))
(قالَ) يعني الخضر (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) يعني هذا وقت فراق بيني وبينك وقيل إن هذا الإنكار على ترك أخذ الأجر هو المفرق بيننا (سَأُنَبِّئُكَ) أي سوف أخبرك (بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) وقيل إن موسى أخذ بثوب الخضر وقال أخبرني بمعنى ما عملت قبل أن تفارقني فقال الخضر (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) قيل كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر ، أي يؤجرونها ويكتسبون بها ، وفيه دليل على أن المسكين وإن كان يملك شيئا لا يزول عنه اسم المسكنة إذا لم يقم ما يملكه بكفايته ، وإن حال الفقير في الضر والحاجة أشد من حال المسكين ، لأن الله تعالى سماهم مساكين مع أنهم كانوا يملكون تلك السفينة (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) أي أجعلها ذات عيب (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) أي أمامهم وقيل خلفهم وكان رجوعهم في طريقهم عليه والأول أصح. (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) أي كل سفينة صالحة فخرقتها وعبتها حتى لا يأخذها