دين الله ويغيروا أحكامه ، وذلك لما أن شاهد من بني إسرائيل تبديل الدين وقتل الأنبياء. فسأل ربه ولدا صالحا يأمنه على أمته ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع وهذا قول ابن عباس (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) أي برا تقيا مرضيا.
قوله تعالى (يا زَكَرِيَّا) المعنى فاستجاب الله له دعائه فقال يا زكريا (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ) أي بولد ذكر (اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) أي لم يسم أحد قبله يحيى وقيل معناه لم نجعل له شبها ومثلا ، وذلك لأنه لم يعص الله ولم يهم بمعصية قط وقال ابن عباس : لم تلد العواقر مثله ولدا ، قيل لم يرد الله تعالى بذلك اجتماع الفضائل كلها ليحيى ، وإنما أراد بعضها لأن الخليل والكليم كانا قبله وهما أفضل منه (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي) أي من أين يكون لي (غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) أي وامرأتي عاقر (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) أي يأسا يريد بذلك نحول الجسم ودقة العظم ونحول الجلد (قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) أي يسير (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل يحيى (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) أي دلالة على حمل امرأتي (قالَ آيَتُكَ) أي علامتك (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) أي صحيحا سليما من غير بأس ولا خرس ، وقيل ثلاث ليال متتابعات والأول أصح قيل إنه لم يقدر فيها أن يتكلم مع الناس فإذا أراد ذكر الله انطلق لسانه. قوله عزوجل :
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢))
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) أي من الموضع الذي كان يصلي فيه وكان الناس من وراء المحراب ينتظرونه حتى يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلون ، إذ خرج إليهم زكريا متغيرا لونه فأنكروا ذلك عليه ، وقالوا له ما لك (فَأَوْحى) أي فأومأ وأشار (إِلَيْهِمْ) وقيل كتب لهم في الأرض (أَنْ سَبِّحُوا) أي صلوا لله (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) المعنى أنه كان يخرج على قومه بكرة وعشيا فيأمرهم بالصلاة ، فلما كان وقت حمل امرأته ومنع من الكلام خرج إليهم فأمرهم بالصلاة إشارة. قوله عزوجل (يا يَحْيى) فيه إضمار ومعناه وهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى (خُذِ الْكِتابَ) أي التوراة (بِقُوَّةٍ) أي بجد واجتهاد (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ) قال ابن عباس : يعني النبوة (صَبِيًّا) وهو ابن ثلاث سنين وذلك أن الله تعالى أحكم عقله وأوحى إليه ، فإن قلت كيف يصح حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا. قلت لأن أصل النبوة مبني على خرق العادات ، إذا ثبت هذا فلا تمنع صيرورة الصبي نبيا ، وقيل أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير وعن بعض السلف قال من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو من أوتي الحكم صبيا (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) أي رحمة من عندنا قال الحطيئة يخاطب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه :
تحنن علي هداك المليك |
|
فإن لكل مقام مقالا |
أي ترحم علي (وَزَكاةً) قال ابن عباس : يعني بالزكاة الطاعة والإخلاص ، وقيل هي العمل الصالح ، ومعنى الآية وآتيناه رحمة من عندنا وتحننا على العباد ليدعوهم إلى طاعة ربهم وعملا صالحا في إخلاصه (وَكانَ تَقِيًّا) أي