يعني بالرزق (أَوْ يَضُرُّونَ) يعني إن تركتم عبادتهم وإذا كان كذلك ، فكيف يستحقون العبادة؟ فلما لزمتهم الحجة القاطعة (قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) المعنى أنها لا تسمع قولا ولا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا ولكن اقتدينا بآبائنا في ذلك ، وفي الآية دليل على إبطال التقليد في الدين وذمه ومدح الأخذ بالاستدلال (قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) أي الأولون (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) أي أعداء لي وإنما وحده على إرادة الجنس. فإن قلت : كيف وصف الأصنام بالعداوة؟ وهي جمادات لا تعقل. قلت : معناه فإنهم عدو لي يوم القيامة لو عبدتهم في الدنيا وقيل : إن الكفار لما عبدوها ونزلوها منزلة الأحياء العقلاء أطلق إبراهيم لفظ العداوة عليها وقيل : هو من المقلوب أراد فإني عدو لهم لأن من عاديته فقد عاداك (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) أي ولكن رب العالمين ، فإنه ربي وولي وقيل إنهم كانوا يعبدون الأصنام مع الله تعالى فقال إبراهيم كل ما تعبدون أعداء لي إلا رب العالمين ثم وصف معبوده الذي يستحق العبادة فقال (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) إلى طريق النجاة (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) أي يرزقني ويغذيني بالطعام والشراب (وَإِذا مَرِضْتُ) أصابني مرض أضاف المرض إلى نفسه استعمالا للأدب وإن كان المرض والشفاء من الله (فَهُوَ يَشْفِينِ) أي يبرئني ويعافيني من المرض (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) أي يميتني في الدنيا ثم يحييني في الآخرة.
(وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢))
(وَالَّذِي أَطْمَعُ) أي أرجو (أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) أي يوم الجزاء والحساب قيل : خطيئته كذباته الثلاث وتقدم الكلام عليها (م) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ، ويطعم المسكين أكان ذلك نافعا له؟ قال «لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» وهذا كله احتجاج من إبراهيم على قومه ، أنه لا يصلح للإلهية إلا من يفعل هذه الأفعال (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) قال ابن عباس : معرفة حدود الله وأحكامه وقيل : العلم والفهم (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) أي بمن سلف قبلي من الأنبياء في المنزلة والدرجة العالية (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) أي ثناء حسنا وذكرا جميلا وقبولا عاما في الأمم التي تجيء بعدي ، فأعطاه الله ذلك وجعل كل الأديان يتولونه ، ويثنون عليه (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) أي ممن تعطيه جنة النعيم لأنها السعادة الكبرى (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) قيل دعا لأبيه على رجاء أن يسلم فيغفر له فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه (وَلا تُخْزِنِي) أي ولا تفضحني (يَوْمَ يُبْعَثُونَ) وهو يوم القيامة (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) أي خالص من الشرك والشك فأما الذنوب فلا يسلم منها أحد قال سعيد بن المسيب القلب السليم هو الصحيح وهو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض وقيل : القلب السليم هو الخالي من البدعة المطمئن إلى السنة (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) أي قربت (لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) أي أظهرت (لِلْغاوِينَ) أي للكافرين (وَقِيلَ لَهُمْ) يعني يوم القيامة (أَيْنَ ما كُنْتُمْ