تتقون الله في مخالفتي وإني لست آخذ منكم أجرا (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) أي السفلة قال ابن عباس : يعني القافة وقيل هم الحاكة والأساكفة (قالَ) يعني نوحا (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي وما أعلم أعمالهم وصنائعهم ، وليس علي من دناءة مكاسبهم وأحوالهم شيء إنما كلفت أن أدعوهم إلى الله تعالى ، وما لي إلا ظواهر أمرهم وقال الزجاج الصناعات لا تضر في الديانات وقيل : معناه إني لم أعلم أن الله يهديهم ويضلكم ويوفقهم ويخذلكم (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) أي لو تعلمون ذلك ما عيرتموهم بصنائعهم (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) أي عني وقد آمنوا (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) معناه أخوف من كذبني فمن آمن فهو القريب مني ، ومن لم يؤمن فهو البعيد عني (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ) أي عما تقول (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) أي من المقتولين بالحجارة وهو أسوأ القتل وقيل من المشتومين (قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ) أي احكم (بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) أي حكما (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) أي الموقر المملوء من الناس والطير والحيوان (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ) أي بعد إنجاء نوح ومن معه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) قوله تعالى (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) أي أمين على الرسالة فكيف تتهمونني اليوم (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ) قال ابن عباس : أي بكل شرف وفي رواية عنه بكل طريق ، وقيل : هو الفج بين الجبلين وقيل : المكان المرتفع (آيَةً) أي علامة وهي العلم (تَعْبَثُونَ) يعني بمن مر بالطريق والمعنى ، أنهم كانوا : يبنون بالمواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم ، وقيل إنهم بنوا بروج الحمام فأنكر عليهم هود باتخاذها ، ومعنى تعبثون تلعبون بالحمام (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) قال ابن عباس أبنية وقيل قصورا مشيدة وحصونا مانعة ، وقيل مآخذ الماء يعني الحياض (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) أي كأنكم تبقون فيها خالدين لا تموتون.
(وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥))
(وَإِذا بَطَشْتُمْ) أي وإذا أخذتم وسطوتم (بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) أي قتلا بالسيف وضربا بالسوط والجبار الذي يضرب ويقتل على الغضب ، وهو مذموم في وصف البشر (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) فيه زيادة زجر عن حب الدنيا والشرف والتفاخر (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) أي أعطاكم من الخير ما تعلمون ثم ذكر ما أعطاهم فقال (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) فيه التنبيه على نعمة الله تعالى عليهم (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) قال ابن عباس