مَنْ فِي النَّارِ) يعني يورك على من في النار وقيل : البركة راجعة إلى موسى والملائكة والمعنى من في طلب النار وهو موسى (وَمَنْ حَوْلَها) وهم الملائكة الذين حول النار وهذه تحية من الله عزوجل لموسى بالبركة ، وقيل : المراد من النار النور وذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا ومن في النار هم الملائكة وذلك أن النور الذي رآه موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتسبيح والتقديس ، ومن حولها موسى ، لأنه كان بالقرب منها وقيل البركة راجعة إلى النار ، وقال ابن عباس : معناه بوركت النار والمعنى بورك من في النار ومن حولها وهم الملائكة وموسى وروي عن ابن عباس في قوله بورك من في النار يعني قدس من في النار وهو الله تعالى عنى به نفسه على معنى أنه نادى موسى وأسمعه من جهتها كما روي أنه مكتوب في التوراة جاء الله من سيناء ، وأشرف من ساعين واستعلى من جبال فاران ومعنى مجيئه من سيناء بعثه موسى منه ، ومن ساعين بعثة المسيح ومن جبال فاران بعثة محمد صلىاللهعليهوسلم وفاران اسم مكة ، وقيل كانت النار بعينها وهي إحدى حجب الله عزوجل كما صح في الحديث «حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» ثم نزه الله سبحانه وتعالى نفسه ، وهو المنزه من كل سوء وعيب فقال تعالى (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ثم تعرف إلى موسى بصفاته فقال : الله يا موسى (إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قيل معناه أن موسى قال : من المنادي قال : إنه أنا الله وهذا تمهيد لما أراد الله أن يظهره على يده من المعجزات ، والمعنى أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية وهو قوله (وَأَلْقِ عَصاكَ) تقديره فألقاها فصارت حية (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) أي تتحرك (كَأَنَّها جَانٌ) وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها (وَلَّى مُدْبِراً) يعني هرب من الخوف (وَلَمْ يُعَقِّبْ) يعني لم يرجع ، ولم يلتفت قال الله تعالى (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) يريد إذا أمنتهم لا يخافون أما الخوف الذي هو شرط الإيمان ، فلا يفارقهم قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم «أنا أخشاكم لله».
(إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦))
(إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) قيل : هو ما يصدر من الأنبياء من ترك الأفضل والصغيرة وقيل يحتمل أن يكون المراد منه التعريض بما وجد من موسى من قتل القبطي وهو من التعريضات اللطيفة وسماه ظلما لقول موسى (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) ثم إنه خاف من ذلك فتاب قال : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ) قال ابن جريح : قال الله تعالى لموسى إنما أخفتك لقتلك النفس ، ومعنى الآية لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم فإن أصابه أخافه حتى يتوب ، فعلى هذا التأويل يكون صحيحا وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله إلا من ظلم ثم ابتدأ الخبر عن حالة من ظلم من الناس كافة وفي الآية متروك استغنى عن ذكره لدلالة الكلام عليه تقديره : فمن ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم وقيل ليس هذا الاستثناء من المرسلين ، لأنه لا يجوز عليهم الظلم بل هو استثناء من المتروك ومعناه : لا يخاف لدي المرسلون إنما الخوف عليهم من الظالمين وهذا الاستثناء المنقطع معناه لكن من ظلم من سائر الناس فإنه يخاف فإن تاب وبدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم أي أغفر له وأزيل خوفه وقيل : إلا هنا بمعنى ولا معناه ولا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم ، ثم بدل حسنا بعد سوء يعني تاب من ظلمه فإني غفور رحيم ثم إن الله تعالى أراه آية أخرى فقال تعالى