بلقيس ثلاثين ذراعا ، في ثلاثين ذراعا وطوله في السماء ثلاثون ذراعا. وقيل كان طوله ثمانين في ثمانين وعلوه ثمانون وقيل : كان طوله ثمانين وعرضه أربعين وارتفاعه ثلاثون ذراعا. قوله عزوجل إخبارا عن الهدهد (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) وذلك أنهم كانوا يعبدون الشمس ، وهم مجوس (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) المزين هو الله لأنه الفعال لما يريد ، وإنما ذكر الشيطان لأنه سبب الإغواء (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) أي عن طريق الحق الذي هو دين الإسلام (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) أي إلى الصواب (أَلَّا يَسْجُدُوا) قرئ بالتخفيف ومعناه ألا يا أيها الناس اسجدوا وهو أمر من الله مستأنف ، وقرئ بالتشديد ومعناه وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا (لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) يعني الخفي المخبأ (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قيل خبء السموات المطر وخبء الأرض النبات (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) والمقصود من هذا الكلام الرد على من يعبد الشمس وغيرها ، من دون الله لأنه لا يستحق العبادة إلا من هو قادر على من في السموات والأرض ، عالم بجميع المعلومات (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي هو المستحق للعبادة والسجود لا غيره.
فصل
وهذه السجدة من عزائم السجود ، يستحب للقارئ والمستمع أن يسجد عند قراءتها. فإن قلت : قد وصف عرش بلقيس بالعظم وعرش الله بالعظم ، فما الفرق بينهما. قلت وصف عرش بلقيس بالعظم بالنسبة إليها وإلى أمثالها من ملوك الدنيا وأما عرش الله تعالى فهو بالنسبة إلى جميع المخلوقات من السموات والأرض ، فحصل الفرق بينهما فلما فرغ الهدهد من كلامه (قالَ) سليمان (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ) أي فيما أخبرت (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) ثم إن الهدهد دلهم على الماء فاحتفروا الركايا وروى الناس والدواب ، ثم إن سليمان كتب كتابا : من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ «بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى ، أما بعد أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين قيل لم يزد على ما نص الله في كتابه ، وكذلك الأنبياء كانوا يكتبون جملا ، لا يطيلون ولا يكثرون فلما كتب سليمان الكتاب طبعه بالمسك وختمه بخاتمه ، وقال للهدهد (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) إنما قال : إليهم بلفظ الجمع لأنه جعله جوابا لقول الهدهد وجدتها وقومها يسجدون للشمس فقال : فألقه إلى الذين هذا دينهم (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) أي تنح عنهم فقف قريبا منهم (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) أي يردون من الجواب وقيل : تقدير الآية فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنه ، أي انصرف إلي فأخذ الهدهد الكتاب وأتى به إلى بلقيس وكانت بأرض مأرب من اليمن على ثلاث مراحل من صنعاء ، فوجدها نائمة مستلقية على قفاها وقد غلقت الأبواب ، ووضعت المفاتيح تحت رأسها وكذلك كانت تفعل إذا رقدت فأتى الهدهد وألقى الكتاب على نحرها وقيل : حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على المرأة وحولها القادة والوزراء والجنود ، فرفرف ساعة والناس ينظرون فرفعت بلقيس رأسها فألقى الكتاب في حجرها وقال وهب بن منبه : كانت لها كوة مستقبلة الشمس تقع فيها حين تطلع فإذا نظرت إليها سجدت لها فجاء الهدهد ، وسد الكوة بجناحيه فارتفعت الشمس ، ولم تعلم فلما استبطأت الشمس قامت تنظر ، فرمى بالصحيفة إليها فأخذت بلقيس الكتاب ، وكانت قارئة فلما رأت الخاتم ارتعدت ، وخضعت لأن ملك سليمان كان في خاتمه وعرفت أن الذي أرسل الكتاب أعظم ملكا منها فقرأت الكتاب وتأخر الهدهد غير بعيد وجاءت هي حتى قعدت على سرير ملكها ، وجمعت الملأ من قومها وهم الأشراف وقال ابن عباس كان مع بلقيس مائة قيل مع كل قيل مائة ألف والقيل ملك دون الملك الأعظم وقيل كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، كل رجل منهم على عشرة آلاف فلما جاءوا وأخذوا مجالسهم.
(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا