عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥))
(قالَتْ) لهم بلقيس (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) قيل سمته كريما لأنه كان مختوما ، روى ابن عباس عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال «كرامة الكتاب ختمه» وقال ابن عباس : كريم أي شريف لشرف صاحبه ، ثم بينت ممن الكتاب فقالت (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) قرأت المكتوب فيه فقالت (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فإن قلت لم قدم إنه من سليمان على بسم الله. قلت : ليس هو كذلك بل ابتدأ سليمان ببسم الله الرحمن الرحيم وإنما ذكرت بلقيس ، أن هذا الكتاب من سليمان ثم ذكرت ما في الكتاب فقالت : وإنه بسم الله الرحمن الرحيم (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) قال ابن عباس : لا تتكبروا علي. والمعنى لا تمتنعوا من الإجابة فإن ترك الإجابة ، من العلو والتكبر (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أي طائعين مؤمنين وقيل من الاستسلام وهو الانقياد (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) أي أشيروا علي فيما عرض لي (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) أي قاضية وفاصلة (حَتَّى تَشْهَدُونِ) أي تحضرون (قالُوا) يعني الملأ مجيبين لها (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) أي في الجسم على القتال (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي عند الحرب وقيل أرادوا بالقوة كثرة العدد والبأس والشجاعة وهذا تعريض منهم بالقتال أي إن أمرتهم بذلك ثم قالوا (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) أيتها الملكة أي في القتال وتركه (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) أي تجدين مطيعين لأمرك (قالَتْ) بلقيس مجيبة لهم عن التعريض للقتال وما يؤول إليه أمره (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) أي عنوة (أَفْسَدُوها) أي خربوها (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمر تحذرهم بذلك مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم ثم تناهى الخبر عنها هنا ، وصدق الله قولها فقال تعالى (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) أي كما قالت هي يفعلون وقيل هو من قولها وهو للتأكيد لما قالت ثم قالت (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) يعني إلى سليمان وقومه أصانعه بها على ملكي ، وأختبره بها أملك هو أم نبي فإن كان ملكا قبل الهدية ورجع ، وإن كان نبيا لم يقبل الهدية ، ولم يرضه منا إلا أن نتبعه في دينه وهو قولها (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) وذلك أن بلقيس كانت امرأة لبيبة عاقلة قد ساست الأمور ، وجربتها فأهدت وصفاء ووصائف.
قال ابن عباس : مائة وصيف ومائه وصيفة قال وهب وغيره عمدت بلقيس إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية ، فألبست الجواري لبس الغلمان الأقبية والمناطق ، وألبست الغلمان لبس الجواري وجعلت في أيديهم أساور الذهب ، وفي أعناقهم أطواق الذهب وفي آذانهم أقرطة ، وشنوفا مرصعات بأنواع الجواهر وحملت الجواري على خمسمائة رمكة ، والغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس سرج من الذهب مرصع بالجواهر ، وأغشية الديباج وبعثت إليه لبنات من الذهب ولبنات من الفضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت ، وأرسلت بالمسك والعنبر والعود اليلنجوج وعمدت إلى حق جعلت فيه درة بقيمة ثمينة غير مثقوبة ، وخرزة جزع معوجة الثقب ودعت رجلا من أشراف قومها يقال له : المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالا من قومها أصحاب عقل ورأي وكتبت مع المنذر كتابا تذكر فيه الهدية ، وقالت : إن كنت نبيا ميز بين الوصفاء والوصائف ، وأخبرنا بما في الحق قبل أن تفتحه واثقب الدرة ثقبا مستويا وأدخل في الخرزة خيطا من غير علاج إنس ولا جن ، وأمرت بلقيس الغلمان فقالت : إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء ، وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال ، ثم قالت للرسول انظر إذا دخلت ، فإن نظر إليك نظرا فيه غضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك أمره ومنظره فأنا أعز منه وإن رأيت الرجل بشاشا لطيفا فافهم أنه نبي فتفهم قوله ورد الجواب