يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) أي يعود نفع شكره إليه وهو أن يستوجب به تمام النعمة ، ودوامها لأن الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌ) أي عن شكره لا يضره ذلك الكفران (كَرِيمٌ) يعني بالإفضال عليه لا يقطع نعمة عنه بسبب إعراضه عن الشكر وكفران النعمة (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) يعني غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته قيل : هو أن يزاد فيه أو ينقص منه وقيل : إنما يجعل أسفله أعلاه ويجعل مكان الجوهر الأحمر أخضر ومكان الأخضر أحمر (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) إلى معرفة عرشها (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) إلى معرفته ، وإنما حمل سليمان على ذلك ما قال وهب ومحمد بن كعب ، وغيرهما أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أسرار الجن ، لأن أمها كانت جنية وإذا ولدت ولدا لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده فأساءوا الثناء عليها ليزهدوه فيها ، وقالوا : إن في عقلها شيئا وإن رجلها كحافر الحمار ، وإنها شعراء الساقين فأراد سليمان ، أن يختبر عقلها بتنكير عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ) لها (أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) قيل : إنها عرفته ولكن شبهت عليهم كما شبهوا عليها ، وقيل : إنها كانت حكيمة لم تقل نعم خوفا من الكذب ولا قالت : لا خوفا من التكذيب أيضا فقالت : كأنه هو فعرف سليمان كمال عقلها بحيث لم تقر ولم تنكر اشتبه عليها أمر العرش ، لأنها تركته في بيت عليه سبعة أبواب مغلقة والمفاتيح معها قيل فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب ثم قالت (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) يعني من قبل الآية في العرش (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) يعني منقادين مطيعين خاضعين لأمر سليمان وقيل : قوله تعالى وأوتينا العلم أي بالله وبصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبلها أي من قبل الآية في العرش ، وكنا مسلمين أو معناه وأوتينا العلم بالله ، وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة وكنا مسلمين ويكون الغرض من هذا شكر نعمة الله عليه أن خصه بمزيد العلم ، والتقدم في الإسلام وقيل معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها طائعة وكنا مسلمين لله.
قوله تعالى (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) يعني منعتها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة الله وقيل معناه صدها سليمان ، عما كانت تعبد من دون الله وحال بينها وبينه (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) أخبر الله أنها كانت من قوم يعبدون الشمس ، فنشأت بينهم ولم تعرف إلا عبادة الشمس (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) وذلك أن سليمان لما اختبر عقلها بتنكير العرش وأراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفهما لما أخبرته الجن أن رجليها كحافر حمار ، وهي شعراء الساقين أمر الشياطين ، فعملوا لها قصرا من الزجاج الأبيض كالماء وقيل : الصرح صحن الدار وأجرى تحته الماء ، وألقى فيه السمك والضفادع وغيرهما من دواب البحر ثم وضع سريره في صدر المجلس وجلس عليه وقيل إنما عمل الصرح ليختبر به فهمها كما فعلت في الوصفاء والوصائف.
فلما جلس على السرير دعا بلقيس ، ولما جاءت قيل لها ادخلي الصرح (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) أي ماء عظيما (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) لتخوض الماء إلى سليمان ، فإذا هي أحسن النساء ساقا وقدما إلا أنها كانت شعراء الساقين فلما نظر سليمان ذلك صرف بصره عنها (قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ) أي مملس (مِنْ قَوارِيرَ) زجاج وليس بماء فحينئذ سترت ساقيها وعجبت من ذلك وعلمت أن ملك سليمان من الله تعالى واستدلت بذلك على التوحيد والنبوة (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بعبادة غيرك (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي أخلصت له التوحيد والعبادة ، وقيل : إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة قالت : في نفسها إن سليمان يريد أن يغرقني وكان القتل أهون من هذا فلما تبين لها خلاف ذلك قالت : رب إني ظلمت نفسي بذلك الظن. واختلفوا في أمر بلقيس بعد إسلامها ، فقيل انتهى أمرها إلى قولها أسلمت لله رب العالمين ولا عمل لأحد وراء ذلك ، لأنه لم يذكر في الكتاب ولا في خبر صحيح وقال بعضهم : تزوجها سليمان وكره ما رأى من كثرة شعر ساقيها ، فسأل الإنس عما يذهب ذلك فقالوا الموسى. فقالت المرأة إني لم يمسني حديد قط فكره سليمان الموسى وقال : إنها تقطع ساقيها