فسأل الجن فقالوا لا ندري فسأل الشياطين. فقالوا : نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء فاتخذوا النورة ، والحمام فكانت النورة والحمامات من يومئذ. فلما تزوجها سليمان أحبها حبا شديدا ، وأقرها على ملكها وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا ، وهي سلحين وبيسنون وغمدان ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة ، ويقيم عندها ثلاثة أيام يبكر من الشام إلى اليمن ومن اليمن إلى الشام وولدت له ولدا ذكرا. وقال وهب : زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان اختاري رجلا من قومك حتى أزوجك إياه ، فقالت : ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال وقد كان لي من قومي الملك والسلطان ، قال : نعم إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله قالت : فإن كان ولا بد فزوجني ذا تبع ملك همدان فزوجها إياه وذهب بها إلى اليمن ، وملك زوجها ذا تبع على اليمن ، ودعا زوبعة ملك الجن وقال له اعمل لذي تبع ما استعملك فيه فلم يزل يعمل له ما أراد إلى أن مات سليمان وحال الحول ، وعلم الجن موت سليمان ، فأقبل رجل منهم حتى بلغ جوف اليمن وقال بأعلى صوته : يا معشر الجن إن الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا وانقضى ملك سلمان وملك ذي تبع وملك بلقيس ، وبقي الملك لله الواحد القهار قيل إن سليمان ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة. قوله عزوجل :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩))
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أي وحدوه لا تشركوا به شيئا (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ) أي مؤمن وكافر (يَخْتَصِمُونَ) أي في الدين كل فريق يقول الحق معنا (قالَ) يعني صالحا للفريق المكذب (يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ) أي بالبلاء والعقوبة (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) أي العافية والرحمة (لَوْ لا) أي هلا (تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) أي بالتوبة إليه من الكفر (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي لا تعذبون في الدنيا (قالُوا اطَّيَّرْنا) أي تشاءمنا (بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) قيل : إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم وقيل : لإمساك القطر عنهم قالوا إنما أصابنا هذا الضر والشدة من شؤمك وشؤم أصحابك (قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) أي ما يصيبكم من الخير والشر بأمر الله مكتوب عليكم ، سمي طائرا لأنه لا شيء أسرع من نزول القضاء المحتوم وقال ابن عباس الشؤم الذي أتاكم من عند الله بكفركم وقيل طائركم أي عملكم ، عند الله ، سمي طائرا لسرعة صعوده إلى السماء (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) قال ابن عباس تختبرون بالخير والشر وقيل معناه تعذبون. قوله تعالى (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ) يعني مدينة ثمود وهي الحجر (تِسْعَةُ رَهْطٍ) يعني من أبناء أشرافهم (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) أي بالمعاصي (وَلا يُصْلِحُونَ) أي لا يطيعون وهم غواة قوم صالح الذين اتفقوا على عقر الناقة ورأسهم قدار بن سالف (قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ) يعني يقول بعضهم لبعض احلفوا بالله أيها القوم (لَنُبَيِّتَنَّهُ) أي لنقتلنه ليلا (وَأَهْلَهُ) يعني قومه الذين آمنوا معه (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ) أي لولي دمه (ما شَهِدْنا) يعني ما حضرنا (مَهْلِكَ أَهْلِهِ) أي ما ندري من قتله ولا هلاك أهله (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) يعني في قولنا ما شهدنا ذلك.
(وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ