الحديث : «إنه يكون على المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا». قال إبراهيم التيمي : لا يكون على المؤمنين إلا كما يكون ما بين الظهر والعصر وقيل يحتمل أن يكون هذا إخبارا عن شدته وهوله ومشقته وقال ابن أبي مليكة : دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان على ابن عباس فسأله ابن فيروز عن هذه الآية وعن مقدار خمسين ألف سنة. فقال ابن عباس : رضي الله عنهما أيام سماها الله تعالى لا أدري ما هي وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم.
(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩) وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤))
(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) يعني الذي صنع ما ذكر من خلق السموات والأرض هو عالم الغيب والشهادة أي ما غاب عن خلقه لا تخفى عليه خافية والشهادة بمعنى ما حضر وظهر (الْعَزِيزُ) أي الممتنع المنتقم من أعدائه (الرَّحِيمُ) بأوليائه وأهل طاعته. قوله تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) قال ابن عباس أتقنه وأحكمه وقيل علم كيف يخلق كل شيء وقيل خلق كل حيوان على صورة لم يخلق البعض على صورة البعض فكل حيوان كامل في صورته حسن في شكله وكل عضو من أعضائه مقدر على ما يصلح به معاشه وقيل معناه ألهم خلقه ما يحتاجون إليه وعلمهم إياه. وقيل معناه أحسن إلى كل خلقه (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) يعني آدم (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) يعني ذريته (مِنْ سُلالَةٍ) أي من نطفة تنسل من الإنسان (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) أي ضعيف (ثُمَّ سَوَّاهُ) أي سوى خلقه (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) أضاف إليه الروح إضافة تشريف كبيت الله وناقة الله ثم ذكر ما يترتب على نفخ الروح في الجسد فقال (وَجَعَلَ لَكُمُ) أي خلق بعد أن كنتم نطفا مواتا (السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) قيل قدم السمع لأن الإنسان يسمع أولا كلاما فينظر إلى قائله ليعرفه ثم يتفكر بقلبه في ذلك الكلام ليفهم معناه ووحد السمع لأن الإنسان يسمع الكلام من أي جهة كان (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) يعني أنكم لا تشكرون رب هذه النعمة فتوحدوه إلا قليلا. قوله تعالى (وَقالُوا) يعني منكري البعث (أَإِذا ضَلَلْنا) هلكنا (فِي الْأَرْضِ) والمعنى صرنا ترابا (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) استفهام إنكاري قال الله تعالى : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) أي بالبعث بعد الموت (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ) أي يقبض أرواحكم حتى لا يبقى أحد ممن كتب عليه الموت (مَلَكُ الْمَوْتِ) وهو عزرائيل عليهالسلام (الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) أي أنه لا يغفل عنكم وإذا جاء أجل أحدكم لا يؤخر ساعة ولا شغل له إلا ذلك. روي أن ملك الموت جعلت له الدنيا مثل راحة اليد يأخذ منها صاحبها ما أحب من غير مشقة ، فهو يقبض أرواح الخلائق من مشارق الأرض ومغاربها وله أعوان من الملائكة ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. وقال ابن عباس إن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب ، وقال مجاهد : جعلت له الأرض مثل الطست يتناول منها حيث يشاء ، وقيل إن ملك الموت على معراج بين السماء والأرض فتنزع أعوانه روح الإنسان ، فإذا بلغ ثغرة نحره قبضه ملك الموت. عن معاذ بن جبل قال : إن لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب ،