وهو يتصفح وجوه الناس فما من أهل بيت إلا وملك الموت يتصفحهم في كل يوم مرتين ، فإذا رأى إنسانا قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة وقال له الآن تنزل بك سكرات الموت. وقوله (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) أي تصيرون إلى ربكم أحياء فيجزيكم بأعمالكم. قوله عزوجل (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ) أي المشركون (ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي يطأطئونها حياء من ربهم وندما على ما فعلوا عند ربهم يقولون (رَبَّنا أَبْصَرْنا) أي ما كنا به مكذبين (وَسَمِعْنا) يعني منك تصديق ما أتتنا به رسلك وقيل أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فيها (فَارْجِعْنا) أي فارددنا إلى الدنيا (نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) أي في الحال آمنا ولكن لا ينفع ذلك الإيمان (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) أي رشدها وتوفيقها للإيمان (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) أي وجب القول مني (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي من كفار الجن والإنس (فَذُوقُوا) يعني فإذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة ذوقوا (بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ) أي تركتم الإيمان في الدنيا (هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ) يعني تركناكم بالكلية غير ملتفت إليكم كما يفعل بالناس قطعا لرجائكم (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي من الكفر والتكذيب. قوله تعالى :
(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦))
(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها) أي وعظوا بها (خَرُّوا سُجَّداً) يعني سقطوا على وجوههم ساجدين (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) يعني صلوا بأمر ربهم وقيل قالوا سبحان الله وبحمده (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) يعني عن الإيمان به والسجود له (ق) عن ابن عمر قال «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة فيسجد ويسجدون حتى ما يجد أحدنا مكانا لوضع جبهته في غير وقت الصلاة». (م) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويلنا أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار». وهذه من عزائم سجود القرآن فتسن للقارئ وللمستمع. قوله تعالى (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ) يعني ترتفع وتنبو (عَنِ الْمَضاجِعِ) جمع مضجع وهو الموضع الذي يضطجع عليه يعني الفرش ، وهم المتهجدون بالليل الذي يقيمون الصلاة ، وقال أنس نزلت فينا معاشر الأنصار كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم. عن أنس في قوله (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة أخرجه الترمذي وقال الحديث حسن غريب صحيح. وفي رواية أبي داود عنه قال كانوا يتنفلون ما بين المغرب والعشاء أي يصلون ، وهو قول أبي حازم ومحمد بن المنكدر وقيل هي صلاة الأوابين. روي عن ابن عباس قال : إن الملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء وهي صلاة الأوابين وقال عطاء : هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الأخيرة والفجر في جماعة بدليل قوله صلىاللهعليهوسلم «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله» أخرجه مسلم من حديث عثمان بن عفان. (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا». وأشهر الأقاويل أن المراد منه صلاة الليل وهو قول الحسن ومجاهد ومالك والأوزاعي وجماعة.
فصل : في فضل قيام الليل والحث عليه
عن معاذ بن جبل قال كنت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه وهو يسير ، فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال : «سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه ، تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ، ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة وصلاة الرجل في جوف الليل ، ثم قرأ (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ