فخطر خطرة. فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترون أن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فأنزل الله (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) «أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن قوله خطر خطرة يريد الوسوسة التي تحصل للإنسان في صلاة. قيل في معنى الآية أنه لما قال الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) فكان ذلك أمرا بالتقوى. فكأنه قال ومن حقها أن لا يكون في قلبك تقوى غير الله ، فإن المرء ليس له قلبان حتى يتقي الله بأحدهما وبالآخر غيره ، وقيل إن هذا مثل ضربه الله تعالى للمظاهر من امرأته وللمتبني ولد غيره ، فكما لا يكون لرجل قلبان لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب ، فالآخر فضله عليه محتاج إليه ، وإما أن يفعل بهذا ما لا يفعل بذاك ، فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريدا كارها عالما جاهلا موقنا شاكا في حالة واحدة ، وهما حالتان متنافيتان فكذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى يكون له أمان ولا يكون ولد واحد ابن رجلين. قوله تعالى (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) وصورة الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي ، يقول الله وما جعل نساءكم التي تقولون لهن هذا في التحريم كأمهاتكم ، ولكنه منكم منكر وزور وفيه كفارة ، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في سورة المجادلة. قوله تعالى (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ) يعني الذين تتبنونهم (أَبْناءَكُمْ) وفيه نسخ التبني ، وذلك أن الرجل كان في الجاهلية يتبنى الرجل فيجعله كالابن المولود يدعوه إليه الناس ويرث ميراثه ، وكان النبي صلىاللهعليهوسلم أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وتبناه قبل الوحي ، وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب ، فلما تزوج رسول الله صلىاللهعليهوسلم زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة ، قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك فأنزل الله هذه الآية ونسخ بها التبني (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) أي لا حقيقة له يعني قولهم زيد بن محمد وادعاء النسب لا حقيقة له (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) يعني قوله الحق (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) يعني يرشد إلى سبيل الحق.
(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥) النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦))
(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) يعني الذين ولدوهم فقولوا زيد بن حارثة (هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) يعني أعدل عند الله (ق) عن ابن عمر قال : إن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) الآية (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) يعني فهم إخوانكم (وَمَوالِيكُمْ) أي كانوا محررين وليسوا ببنيكم أي فسموهم بأسماء إخوانكم في الدين ، وقيل معنى مواليكم أولياؤكم في الدين (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) أي قبل النهي فنسبتموه إلى غير أبيه (وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) أي من دعائهم إلى غير آبائهم بعد النهي وقيل فيما أخطأتم به أن تدعوه إلى غير أبيه وهو يظن أنه كذلك (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً). (ق) عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام» قوله عزوجل (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) يعني من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه ، عليهم ووجوب طاعته وقال ابن عباس إذا دعاهم النبي صلىاللهعليهوسلم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلىاللهعليهوسلم أولى بهم من طاعة أنفسهم ، وهذا صحيح لأن أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم ، وقيل هو أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه ، وقيل كان النبي صلىاللهعليهوسلم يخرج إلى الجهاد فيقول قوم نذهب فنستأذن من آبائنا وأمهاتنا ، فنزلت الآية. (ق) عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «ما من