والدليل الصحيح المعتمد عليه في إباحة لحوم الخيل أن السنة مبينة للكتاب ولما كان نص الآية يقتضي أن الخيل والبغال والحمير مخلوقة للركوب والزينة ، وكان الأكل مسكوتا عنه دار الأمر فيه على الإباحة والتحريم فوردت بإباحة لحوم الخيل وتحريم لحوم البغال والحمير ، فأخذنا بها جمعا بين النصين والله أعلم وقوله تعالى (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) لما ذكر الله سبحانه وتعالى الحيوانات التي ينتفع بها الإنسان في جميع حالاته ، وضرورياته على سبيل التفضيل ، ذكر بعدها ما لا ينتفع به الإنسان في الغالب على سبيل الإجمال لأن مخلوقات الله عزوجل في البر والبحر والسموات أكثر من أن تحصى أو يحيط بها عقل أحد أو فهمه ، فلهذا ذكرها على الإجمال ، وقال بعضهم : ويخلق ما لا تعلمون يعني مما أعد الله لأهل الجنة في الجنة ، ولأهل النار في النار مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر وقال قتادة في قوله : ويخلق ما لا تعلمون يعني السوس في النبات والدود في الفواكه. قوله سبحانه وتعالى (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) القصد استقامة الطريق ، يقال : طريق قصد وقاصد إذا أداك إلى مطلوبك وفي الآية حذف تقديره وعلى الله بيان قصد السبيل ، وهو بيان طريق الهدى من الضلالة وقيل : معناه وعلى الله بيان طريق الحق بالآيات والبراهين (وَمِنْها جائِرٌ) يعني ومن السبل سبيل جائر عن الاستقامة بل هو معوج فالقصد من السبيل هو دين الإسلام ، والجائر منها دين اليهودية والنصرانية وسائر ملل الكفر ، وقال جابر بن عبد الله : قصد السبيل بيان الشرائع والفرائض ، وقال عبد الله بن المبارك وسهل بن عبد الله : قصد السبيل السنة ومنها جائر الأهواء والبدع (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) فيه دليل على أن الله تعالى ما شاء هداية الكفار ، وما أراد منهم الإيمان لأن كلمة لو تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، فقوله ولو شاء هدايتكم لهداكم أجمعين وذلك يفيد أنه تعالى ما شاء هدايتهم فلا جرم ما هداهم. قوله عزوجل (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) لما ذكر الله سبحانه وتعالى نعمته على عباده بخلق الحيوانات لأجل الانتفاع والزينة : عقبه بذكر إنزال المطر من السماء ، وهو من أعظم النعم على العباد فقال : هو الذي أنزل من السماء. يعني ، والله الذي خلق جميع الأشياء هو الذي أنزل من السماء ماء يعني المطر (لَكُمْ مِنْهُ) يعني من ذلك الماء (شَرابٌ) يعني تشربونه (وَمِنْهُ) يعني ومن ذلك الماء (شَجَرٌ) الشجر في اللغة ما له ساق من نبات الأرض ، ونقل الواحدي عن أهل اللغة أنهم قالوا : الشجر أصناف ما جل وعظم ، وهو الذي يبقى على الشتاء وما دق وهو صنفان أحدهما تبقى له أدوحة في الشتاء ، وينبت في الربيع ومنها ما لا يبقى له ساق في الشتاء كالبقول ، وقال أبو إسحاق : كل ما ينبت على وجه الأرض فهو شجر وأنشد : نطعمها اللحم إذا عز الشجر أراد أنهم يسقون الخيل اللبن إذا أجدبت الأرض ، وقال ابن قتيبة : في هذه الآية يعني الكلأ ومعنى الآية أنه ينبت بالماء الذي أنزل من السماء ما ترعى الراعية من ورق الشجر لأن الإبل ترعى كل الشجر (فِيهِ) يعني في الشجر (تُسِيمُونَ) يعني ترعون مواشيكم. يقال : أسمت السائمة إذا خليتها ترعى وسامت هي إذا رعت حيث شاءت (يُنْبِتُ لَكُمْ) أي ينبت الله لكم وقرئ ينبت على التعظيم لكم (بِهِ) أي بذلك الماء (الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) لما ذكر الله في الحيوان تفصيلا وإجمالا ذكر في الثمار تفصيلا وإجمالا فبدأ بذكر الزرع وهو الحب الذي يقتات به كالحنطة والشعير وما أشبههما لأن به قوام بدن الإنسان ، وثنى بذكر الزيتون لما فيه من الأدم والدهن والبركة ، وثلث بذكر النخيل لأن ثمرتها غذاء وفاكهة ، وختم بذكر الأعناب لأنها شبه النخلة في المنفعة من التفكه ، والتغذية ، ثم ذكر سائر الثمرات إجمالا لينبه بذلك على عظيم قدرته ، وجزيل نعمته على عباده ثم قال تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ) يعني الذي ذكر من أنواع الثمار (لَآيَةً) يعني علامة دالة على قدرتنا ووحدانيتنا (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) يعني فيما ذكر من دلائل قدرته ووحدانيته (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ) تقدم تفسيره في سورة الأعراف (مُسَخَّراتٌ) يعني مذللات مقهورات تحت قهره وإرادته ، وفيه رد على الفلاسفة والمنجمين لأنهم يعتقدون أن هذه النجوم هي الفعالة المتصرفة في العالم السفلي فأخبر الله تعالى أن هذه النجوم مسخرات في نفسها مذللات