سبحانه وتعالى (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ) يعني التي هي من الحجر والمدر (سَكَناً) يعني مسكنا تسكنونه ، والسكن ما سكنت إليه وفيه من ألف أو بيت (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) يعني الخيام والقباب والأخبية ، والفساطيط المتخذة من الأدم والأنطاع. واعلم أن المساكن على قسمين : أحدهما : ما لم يمكن نقله من مكان إلى مكان آخر ، وهي البيوت المتخذة من الحجارة والخشب ونحوهما ، والقسم الثاني : ما يمكن نقله من مكان إلى مكان آخر وهي الخيام والفساطيط المتخذة من جلود الأنعام ، وإليها الإشارة بقوله تعالى (تَسْتَخِفُّونَها) يعني يخف عليكم حملها (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) يعني في يوم سيركم ورحيلكم في أسفاركم وظعن البادية هو لطلب ماء أو مرعى ، ونحو ذلك (وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ) يعني وتخف عليكم أيضا في إقامتكم وحضركم ، والمعنى : لا تثقل عليكم في الحالتين (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها) الكناية عائدة إلى الأنعام ، يعني ومن أصواف الضأن ، وأوبار الإبل وأشعار المعز (أَثاثاً) يعني تتخذون أثاثا. الأثاث. متاع البيت الكبير ، وأصله من أث إذا كثر وتكاثف ، وقيل للمال أثاث إذا كثر. قال ابن عباس : أثاثا يعني مالا : وقال مجاهد : متاعا. وقال القتيبي : الأثاث المال أجمع من الإبل والغنم والعبيد والمتاع. وقال غيره الأثاث هو متاع البيت من الفرش والأكسية ونحو ذلك (وَمَتاعاً) يعني وبلاغا وهو ما يتمتعون به (إِلى حِينٍ) يعني إلى حين يبلى ذلك الأثاث ، وقيل : إلى حين الموت. فإن قلت : أي فرق بين الأثاث والمتاع حتى ذكره بواو العطف ، والعطف يوجب المغايرة فهل من فرق؟. قلت : الأثاث ما كثر من آلات البيت وحوائجه وغير ذلك فيدخل فيه جميع أصناف المال ، والمتاع ما ينتفع به في البيت خاصة فظهر الفرق بين اللفظتين والله أعلم.
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (٨١) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٨٢) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٣) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨))
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً) يعني جعل لكم ما تستظلون به من شدة الحر والبرد ، وهي ظلال الأبنية والجدران والأشجار (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) جمع كن وهو ما يستكن فيه من شدة الحر والبرد ، كالأسراب والغيران ونحوها وذلك لأن الإنسان إما أن يكون غنيا أو فقيرا ، فإذا سافر احتاج في سفره ما يقيه من شدة الحر والبرد فأما الغني فيستصحب معه الخيام في سفره ، ليستكن فيها وإليه الإشارة بقوله (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) وأما الفقير فيستكن في ظلال الأشجار والحيطان والكهوف ونحوها ، وإليه الإشارة بقوله والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا ولأن بلاد العرب شديدة الحر ، وحاجتهم إلى الظلال وما يدفع شدته وقوته أكثر فلهذا السبب ذكر الله هذه المعاني في معرض الامتنان عليهم بها ، لأن النعمة عليهم فيها ظاهرة (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) يعني وجعل لكم قمصا وثيابا من القطن والكتان والصوف وغير ذلك ، تمنعكم من شدة الحر قال أهل المعاني والبرد فاكتفى بذكر أحدهما لدلالة الكلام عليه (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ