قلت : الأصنام جماد لا تتكلم فكيف يصح منها الكلام؟. قلت : لا يبعد أن الله سبحانه وتعالى لما بعثها ، وأعادها في الآخرة ، خلق فيها الحياة والنطق والعقل حتى قالت ذلك. والمقصود من إعادتها وبعثها ، أن تكذب الكفار ويراها الكفار وهي في غاية الذلة والحقارة ، فيزدادون بذلك غما وحسرة (وَأَلْقَوْا) يعني المشركين (إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) يعني أنهم استسلموا له ، وانقادوا لحكمه فيهم ولم تغن عنهم آلهتهم شيئا (وَضَلَّ عَنْهُمْ) يعني وزال عن المشركين (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) يعني ما كانوا يكذبون في الدنيا في قولهم ، إن الأصنام تشفع لهم (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعني ضموا مع كفرهم أنهم منعوا الناس عن الدخول في الإيمان بالله ورسوله (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) يعني زدناهم هذه الزيادة بسبب صدهم عن سبيل الله مع ما يستحقونه من العذاب على كفرهم الأصلي ، واختلفوا في هذه الزيادة ما هي فقال عبد الله بن مسعود : عقارب لها أنياب ، كأمثال النخل الطوال. وقال سعيد بن جبير : حيات كالبخت وعقارب أمثال البغال ، تلسع إحداهن اللسعة ، فيجد صاحبها ألمها أربعين خريفا. وقال ابن عباس ومقاتل : يعني خمسة أنهار من صفر مذاب كالنار تسيل يعذبون بها ثلاثة على مقدار الليل واثنان على مقدار النهار ، وقيل : إنهم يخرجون من حر النار إلى برد الزمهرير فيبادرون من شدة الزمهرير إلى النار مستغيثين بها وقيل : يضاعف لهم العذاب ضعفا بسبب كفرهم وضعفا بسبب صدهم الناس عن سبيل الله (بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) يعني أن الزيادة إنما حصلت لهم بسبب صدهم عن سبيل الله ، وبسبب ما كانوا يفسدون مع ما يستحقونه من العذاب على الكفر.
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩) إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧))
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ) قال ابن عباس : يريد الأنبياء. قال المفسرون : كل نبي شاهد على أمته وهو أعدل شاهد عليها (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) يعني منهم لأن كل نبي إنما بعث من قومه الذين بعث إليهم ليشهدوا عليهم وبما فعلوا من كفر وإيمان وطاعة وعصيان (وَجِئْنا بِكَ) يا محمد (شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) يعني على قومك وأمتك وتم الكلام هنا ثم قال تبارك وتعالى (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) يعني القرآن (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) اسم من البيان قال مجاهد : يعني لما أمر به وما نهى عنه. وقال أهل المعاني : تبيانا لكل شيء يعني من أمور الدين إما