قال الله تعالى : وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ... (١) ، فليس لاتخاذ المصلّى عند ذلك المقام الشريف سبب إلّا التبرّك بقيام إبراهيم عليهالسلام عليه ، وهم يدعون الله عند القبور لشرفها بمَن دُفن فيها ، فيكون دعاؤهم عندها أرجى للإجابة وأقرب للاستجابة ، كالدعاء في المسجد أو الكعبة أو أحد الأمكنة ، أو الأزمنة التي شرّفها الله تعالى.
والحاصل : أنّه يكفي في جواز الصلاة الاطلاقات والعمومات الدالّة على أنّ الأرض جُعلت لأُمّة محمّد مسجداً وطهوراً.
وأمّا الرجحان فللتبرّك بالمكان المدفون فيه النبيّ أو الوليّ ذي الجاه عند الله ، كالتبرّك بمقام إبراهيم ، أفلا يكون المكان الذي بورك بضمّه لجسد النبيّ الطاهر مباركاً ، مستحقّاً لأن تستحبّ عنده الصلاة وتندب عبادة الله فيه.
والعجب أنّ ابن القيّم جاء في كتابه «زاد المعاد» بما يخالف عقيدته ، وعقيدة أُستاذه ابن تيمية إذ قال : «وأنّ عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد والوحدة والغربة والتسليم إلى ذبح الولد ، آلت إلى ما آلت إليه ، من جعل آثارهما ومواطئ أقدامهما مناسك لعبادة المؤمنين ، ومتعبّدات لهم إلى يوم القيامة ، وهذه سنّته تعالى فيمَن يريد رفعه من خلقه» (٢).
فإذا كانت آثار إسماعيل وهاجر لأجل ما مسّها من الأذى مستحقّة لجعلهما مناسك ومتعبّدات ، فآثار تكون آثار أفضل المرسلين الذي قال : «ما أُوذي نبيّ قطّ كما أُوذيت» تستحقّ أن يُعبد الله فيها؟ وتكون عبادة الله عندها والتبرّك بها شركاً وكفراً؟ كيف وقد كانت عائشة ساكنة في الحجرة التي دُفن فيها النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وبقيت ساكنة فيها بعد دفنه ودفن صاحبيه ، وكانت تُصلّي فيها ، وهل كان عملها هذا عبادة لصاحب القبر يا ترى؟!
__________________
١ ـ البقرة : ١٢٥.
٢ ـ زاد المعاد ١ / ٧٥.