وإذا كان الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله هو الأُسوة والقدوة للإنسانية جمعاء ، وإذا كانت مهمّته هي حمل أعباء الرسالة إلى العالم بأسره ، فإنّ من الطبيعي أن يعدّه الله سبحانه إعداداً جيّداً لذلك ، وليكن المقصود من قصّة الإسراء والمعراج هو أن يشاهد الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله بعض آثار عظمة الله تعالى في عمليةٍ تربوية رائعة ، وتعميق وترسيخ للطاقة الإيمانية فيه ، وليعدّه لمواجهة التحدّيات الكبرى التي تنتظره ، وتحمّل المشاق والمصاعب والأذى التي لم يواجهها أحد قبله ولا بعده.
ثالثاً : لقد كان الإنسان ـ ولاسيّما العربي آنذاك ـ يعيش في نطاق ضيّق ، وذهنية محدودة ، ولا يستطيع أن يتصوّر أكثر من الأُمور الحسّية ، أو القريبة من الحسّ ، التي كانت تحيط به أو يلمس آثارها عن قرب.
فكان ـ والحالة هذه ـ لا بدّ من فتح عيني هذا الإنسان على الكون الرحب ، الذي استخلفه الله فيه ، ليطرح على نفسه الكثير من التساؤلات عنه ، ويبعث الطموح فيه للتعرّف عليه ، واستكشاف أسراره ، وبعد ذلك إحياء الأمل وبثّ روح جديدة فيه ، ليبذل المحاولة للخروج من هذا الجوّ الضيّق الذي يرى نفسه فيه ، ومن ذلك الواقع المزري الذي يُعاني منه ، وهذا بالطبع ينسحب على كلّ أُمّة ، وكلّ جيل وإلى الأبد.
رابعاً : والأهمّ من ذلك : أن يلمس هذا الإنسان عظمة الله سبحانه ، ويدرك بديع صنعه وعظيم قدرته ، من أجل أن يثق بنفسه ودينه ، ويطمئنّ إلى أنّه بإيمانه بالله إنّما يكون قد التجأ إلى ركنٍ وثيق ، لا يختار له إلّا الأصلح ، ولا يريد له إلّا الخير ، قادر على كلّ شيء ، ومحيط بكلّ الموجودات.
خامساً : إنّه يريد أن يتحدّى الأجيال الآتية ، ويُخبر عمّا سيؤول إليه البحث العلمي من التغلّب على المصاعب الكونية ، وغزو الفضاء ، فكان هذا الغزو بما له من طابع إعجازي خالدٍ ، هو الأسبق والأكثر غرابة وإبداعاً ، وليطمئنّ المؤمنون ، وليربط الله على قلوبهم