ثم أخبره عن أصحاب الكهف وحديث ذي القرنين وخبر أمر الرّوح ، وحدّثه أن مدينة بالروم كان فيها ملك كافر يدعو إلى عبادة الأوثان والنّيران ، ويقتل من خالفه ، وفي المدينة شابّ يدعو إلى الإسلام سرّا ، فتابعه فتية من أهل المدينة ، ففطن بهم الملك فأخذهم ، ودفعهم الى آبائهم يحفظونهم ، فمرّوا بغلام راع ، فبايعهم ومعه كلبهم حتى إذا أتوا غارا فدخلوه ، وألقى الله عليهم النّوم سنين عددا ، والملك طالب لهم لم يقف على أمرهم ، وعمي عليه خبرهم ، فسدّوا باب الكهف ليموتوا فيه إن كانوا هنالك.
ثم عمد رجل إلى لوح رصاص ، فكتب فيه أسماءهم وأسماء آبائهم ومدينتهم ، وأنّهم خرجوا فرارا من دين ملكهم في شهر كذا في سنة كذا وألزقه بالسدّ ، وكان السدّ في داخل الكهف ، وذكر القصة إلى آخرها ، فهذا اللوح الرصاص هو الرّقيم. فأخبر النبيّ صلىاللهعليهوسلم قريشا بذلك ، فلما أتوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم قول اليهود أخبرهم بخصلتين ولم يخبرهم بالثالثة ، قال كفار قريش : (سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ)(١).
وقال محمّد بن اسحق : (كثرت في أهل الإنجيل الخطايا ، وطغت الملوك حتى عبدوا الأصنام والأوثان ، وفيهم بقايا على دين المسيح بن مريم متمسّكون بعبادة الله وتوحيده. وكان ممن فعل ذلك ملك من ملوكهم يقال له دقيانوس (٢) ، وكان قد عبد الأصنام وذبح للطواغيت ، فسار حتى دخل مدينة أهل الكهف وهي أقسوس.
فلما دخلها عظم على أهل الإيمان ، واستخفوا منه وهربوا إلى كلّ ناحية ، فأراد دقيانوس أن يجمع له أهل الإسلام ، واتخذ شرطا من الكفّار من أهلها وأمرهم باتباع المسلمين ، وأحصرهم فجعلوا يتبعون المسلمين حتى أخذوهم ومضوا بهم الى دقيانوس ، فخيّرهم بين القتل وبين عبادة الأوثان ، فمنهم من رغب في الحياة ، ومنهم من قال : لا أعبد غير الله ؛ فقتله.
__________________
(١) القصص / ٤٨.
(٢) عند الطبري في جامع البيان : (دقينوس)