وعن ابن عبّاس قال : (غزونا مع معاوية نحو الرّوم فمررنا بالكهف الّذي فيه أصحاب الكهف ، فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم ، فقال ابن عبّاس : ليس لك ؛ قد منع الله ذلك عن من هو خير منك ، فقال : لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارا ؛ (وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) (١٨) ؛ فقال معاوية : لا أنتهي حتّى أعلم علمهم ، فبعث أناسا فقال : اذهبوا وانظروا ، ففعلوا فلمّا دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم من الكهف) (١).
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ ؛) أي وكذلك أيقظناهم ، كما أنمناهم ليتحدّثوا ويسألوا بعضهم بعضا ، (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ ؛) وهو رئيسهم وسمّي مكسلميا : (كَمْ لَبِثْتُمْ ؛) في نومكم في الكهف ؛ (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً ؛) فلما نظروا إلى الشّمس ، وقد بقي منها شيء ؛ قالوا : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ؛) توقّيا من الكذب ، فلما نظروا إلى أظفارهم وأشعارهم علموا أنّهم لبثوا أكثر من يوم ؛ ف ؛ (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ.)
قوله تعالى : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ؛) أي فابعثوا يمليخا ، والورق الفضّة مضروبة كانت أو غير مضروبة ، وأما المدينة فهي أفسوس ، وقيل : طرسوس ، كان اسمها في الجاهلية : أقسوس ، فلما جاء الإسلام سمّوها طرسوس. ومعنى الآية : فابعثوا أحدكم بدراهمكم هذه إلى السّوق ؛ (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً ؛) أي أحلّ ذبحة ؛ لأن عامّتهم كانوا مجوسا ، وفيهم مؤمنون يخفون إيمانهم ، وقيل : أطيب خبزا وأبعد عن الشّبهة ، لأن ملكهم كان يظلم الناس في طعامهم ، وكانوا يحسبون أن ملكهم دقيانوس الكافر. وقال عكرمة معناه : (أكثر وأفضل) في معنى أنّ الزكاة هو الزيادة.
قوله تعالى : (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ؛) أي بقوت وطعام. وقوله تعالى : (وَلْيَتَلَطَّفْ) أي يتوقّف في الذهاب والمجيء ، وفي دخوله المدينة حتى لا تعرفه الكفار ؛ (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) (١٩) ؛ أي لا يخبرن أحد من أهل المدينة بمكانكم.
__________________
(١) ينظر : اللباب في علوم الكتاب : ج ١٢ ص ٤٤٨. وهو في معالم التنزيل : ص ٧٧٢.