قوله تعالى : (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ؛) أي إنهم إن علموا مكانكم رجموكم بالحجارة حتى يقتلوكم ، وقيل : يشتموكم ويؤذوكم ، وكان من عادتهم القتل بالرّجم وهو أخبث القتل. وقوله تعالى : (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ؛) أي إلى دينهم وهو الكفر ؛ (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) (٢٠) ؛ إن عدتم إلى دينهم ، ولم تظفروا الخير في الدّنيا والآخرة.
فإن قيل : أليس لو أكرهوهم ، وأظهروا الكفر لم يكن في ذلك مضرّة عليهم؟ قيل : يجوز أنه لم يكن في شريعة الإسلام جواز إظهار كلمة الكفر على وجه التّقية.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ؛) أي أطلعنا عليهم ، وذلك أنّهم لمّا بعثوا بورقهم على يد يمليخا ومضى إلى السّوق ، فإذا ملكهم مسلم قد أظهر علامات الإسلام فتعجّب من تغيّر الأمر ، وقال لخبّاز : بعني من طعامك بهذا الورق ، فلما رأى الخباز دراهمه أنكرها وقال : من أين لك هذه وقد ضربت منذ ثلاثمائة سنة؟ فإما أن تعطيني من هذا الكنز ، أو أرفعك إلى الملك؟ فأنت وجدت كنزا.
فحمله إلى الملك فلم يجد بدا من أن يذكر للملك قصّتهم ، فجاء الناس معه إلى باب الكهف ، فدخل هو قبلهم ، وأخبر أصحابه بأنّ الملك أتاهم إذ ظهر القوم عليهم فسألوه عن أمرهم ، فقصّوا عليهم قصّتهم ، فنظروا فإذا اللوح الرّصاص وفيه أسماؤهم وفرارهم من دقيانوس.
فقال الملك : هؤلاء قوم هلكوا في زمان الكافر ، فأحياهم الله في زماني ، وحسبوا المدّة ، فوجدوها ثلاثمائة سنة وتسع سنين ، فبينا هم كذلك يحدّثونهم إذ دخلوا المكان ، وقد ضرب الله على آذانهم بالنّوم ، هكذا روي عن ابن عبّاس.
وذهب عكرمة إلى أنّ القوم دخلوا المكان وقد ضرب الله على آذانهم ، فهذا معنى قوله (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) وقوله تعالى : (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) أي ليعلم الملك وقومه وغيرهم أن البعث بعد الموت كائن ، (وَأَنَّ السَّاعَةَ ؛) القيامة ، (لا رَيْبَ فِيها ؛) لا شك فيها.