يفقهوا الهدى ، وجعلنا (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ؛) لئلّا يستمعوا. قوله تعالى : (وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) (٥٧) ؛ أي إن تدعهم إلى القرآن وإلى الرحمة وإلى الإيمان فلن يهتدوا ، أخبر الله أن هؤلاء طبع الله على قلوبهم.
قوله تعالى : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ؛) أي الغافر السّاتر على عباده ، والرحمة حين لا يعجّلهم بالعقوبة ، (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ) بعقاب ، (بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ ؛) في الحال ؛ (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ ؛) أي لعذابهم أجل ضربه الله ، (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) (٥٨) ؛ أي ملجأ ومنجا.
قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ؛) أي القرى الماضية ، قرى عاد وثمود لمّا أشركوا ، والمراد أهل القرى ، (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) (٥٩) ؛ أي لوقت إهلاكهم أجلا.
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) (٦٠) ؛ أي واذكر إذ قال موسى لفتاه يوشع بن نون ، قال ابن عبّاس : (وقصّة ذلك : أن موسى عليهالسلام قام خطيبا في بني إسرائيل ، فسئل أيّ الناس أعلم؟ فقال : أنا ، فبعث الله عليه فقال : إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك ، قال موسى : يا رب كيف لي به ، يا رب دلّني عليه.
فقال : تأخذ معك حوتا وتمضي إلى شاطئ البحر ، فحيث ما فقدت الحوت فهو ثمّ ، فأخذ حوتا من السّمك ، وجعله في مكتل وانطلق معه بفتاه يوشع بن نون إلى شاطئ البحر ، فأويا إلى صخرة عندها ماء يسمى ماء عين الحياة ، فجلس يوشع يتوضّأ من تلك العين ، فانتضح من ذلك الماء على الحوت فحيي ، فوثب في الماء ، واتّخذ سبيله في البحر سربا ؛ أي اتخذ الحوت طريقا في البحر مسلكا يابسا).
وقيل : معنى قوله (سَرَباً) أي ذاهبا ، فقام يوشع حين رأى ذلك من الحوت ، وذهب إلى موسى ليخبره بذلك ، وذهبا يومهما ذلك حتى صلّيا الظهر من الغد ، فتعب موسى ، فقال لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ؛ أي تعبا.
ومعنى الآية : وإذ قال موسى لفتاه لا أزال أمضي حتى أبلغ مجمع البحرين الموضع الذي يلتقي فيه بحر فارس والروم أو أمضي سنين كثيرة ، والحقب جمع