أحقاب ، والأحقاب جمع الحقب ، والحقب ثمانون سنة ، وقيل : سبعون سنة بلغة قريش ، وسمي يوشع فتاه ؛ لأنه كان يخدمه ويلازمه في الحضر والسّفر للتعلّم منه.
قوله تعالى : (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما ؛) أي الموضع الذي يجتمع فيه ماء البحرين نسي صاحب موسى أن يخبره بخبر الحوت. قال المفسّرون : وكان حوتا في زنبيل ، وكانا يأكلان منه عند الغداء والعشاء ، فلما أتيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه الزنبيل فأصاب الحوت من الماء الذي ذكرناه شيء فتحرّك في الزنبيل فانسرب في البحر ، قد قيل لموسى : تزوّد معك حوتا مالحا فحيث تفقد الحوت فهناك تجد الرجل العالم.
فلما انتهيا إلى الصخرة ، قال موسى لفتاه : امكث هنا ، وانطلق لحاجته فجرى الحوت في البحر ، فقال فتاه : إذا جاء نبيّ الله أخبرته بذلك ، فأنساه الشيطان ، فذلك قوله تعالى : (نَسِيا حُوتَهُما ؛) وإنّما نسي يوشع أن يذكر قصّته لموسى ، وأضاف النسيان إليهما توسّعا لأنّهما تزوّدا ، فصار كما يقال : نسي القوم زادهم ، وإنّما نسيه أحدهم.
قوله تعالى : (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) (٦١) ؛ أي جعل الحوت يضرب بذنبه في البحر فلا يضرب شيئا وهو ذاهب إلّا يبس موضعه كهيأة السّرب. قال قتادة : (جعل لا يسلك فيه طريقا إلّا صار الماء جامدا) (١) ، وقال الربيع : (انجاب الماء على مسلك الحوت في الماء فصار كوّة لم يلتمّ).
والسّرب في اللّغة : المحفور في الأرض ، وعن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [انجاب الماء عن مسلك الحوت ، فصار كوّة لم يلتمّ ، فدخل موسى الكوّة على إثر الحوت ، فإذا بالخضر](٢). وقال ابن عبّاس : (جعل الحوت لا يمسّ شيئا من الماء إلّا يبس حتّى صار صخرة) (٣).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٧٤٧٦).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٧٤٧٤). وذكره ابن كثير في التفسير : ج ٣ ص ٩١.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٧٤٧٧).