قوله تعالى : (فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا ؛) أي لمّا جاوز بين البحرين ، قال موسى ليوشع : آتنا بما نتغدّى به ، (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) (٦٢) ؛ أي تعبا ومشقّة ، فلما قال له موسى ذلك ؛ تذكّر قصّة الحوت ؛ ف(قالَ ؛) له : (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ ؛) عند رأس البحر ؛ (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ؛) ما رأيت هناك من أمر الحوت أن أذكره لك يا نبيّ الله (وَما أَنْسانِيهُ ؛) أي وما شغلني عن ذكره لك ، (إِلَّا ،) وسوسة ، (الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ،) الحوت ، (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) (٦٣) ؛ أي شيئا عجبا وهو أن الماء إنجاب عنه ، وبقي كالكوّة لم يلتمّ.
قوله تعالى : (قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ ؛) أي قال موسى : ذلك الذي كنّا نطلب دلالة لنا من الله تعالى على موضع الخضر ومرتدّة من العلامة ، (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) (٦٤) ؛ أي رجعا وعادا في الطريق الذي جاء منه يقصّان آثارهما قصصا ، والقصّ اتّباع الأثر ، ومنه قوله (قُصِّيهِ)(١).
قوله تعالى : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا ؛) وهو الخضر. قال ابن عبّاس : (وذلك أنّهما لمّا انتهيا إلى الصّخرة جعل يوشع يري موسى مكان الحوت وأثره في الماء ، وكان موسى يتعجّب من ذلك إذ وقع موسى على رجل قائم يصلّي ، فانتظر حتّى فرغ ، فسلّم عليه ، فردّ عليهالسلام).
وإنّما سمي الخضر ؛ لأنّه إذا صلّى في مكان اخضرّ ما حوله. قوله تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا ؛) أي أكرمناه بالنبوّة ، (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (٦٥) ببواطن الأمور. قال ابن عبّاس : (أعطاه علما من علم الغيب).
قوله تعالى : (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) (٦٦) ؛ أي ممّا يهديني إلى الصواب ، ويجوز أن يكون معنى رشدا ، يرشدني به ، والرّشد والرّشد لغتان. قال قتادة : (لو كان أحد مكتفيا عن العلم لاكتفى نبيّ الله موسى عليهالسلام ، ولكنّه قال : هل أتّبعك على أن تعلّمني). قال الزجّاج : (في فعل
__________________
(١) القصص / ١١.