قوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) (٦٥) أي قالت السّحرة : يا موسى إمّا أن تلقي عصاك إلى الأرض ، وإمّا أن نكون أوّل من ألقى العصيّ والحبال ، (قالَ) لهم موسى : (بَلْ أَلْقُوا ؛) فألقوا حبالهم وعصيّهم.
روي أنّهم كانوا سبعين ألف ساحر ، وكان عدد ما عملوا من الحبال والعصيّ حمل ثلاثمائة بعير ، فألقوا ما معهم ، (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (٦٦) ؛ أي تمشي وتتحرّك ، وكانوا قد احتالوا فيها بحيلة ، فكان كلّ من رآها من بعيد يخيّل إليه أنّها تتحرك.
قرأ ابن عامر : (تخيّل) بالتاء ، ردّه إلى الحبال والعصيّ ، وقرأ الباقون بالياء ، ردّوه إلى الكيد والسّحر (١) ، وذلك أنّهم لطّخوا حبالهم وعصيّهم بالزّئبق ، فلما أصابه حرّ الشمس ارتعشت واهتزّت ، فظنّ موسى أنّها تقصده (٢) ، (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (٦٧) ؛ أي أحسّ ووجد ، وقيل : أضمر في نفسه خيفة.
فإن قيل : لم جاز أمرهم بالإلقاء وهو كفر؟ قيل : يجوز أن يكون معناه : ألقوا إن كنتم محقّين كما زعمتم ، ويجوز أن يكون أمرا بالإلقاء على وجه الاعتبار.
وقوله تعالى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى ، قُلْنا لا تَخَفْ) ، فإن قيل : ما الذي خافه موسى؟ قيل : خاف أن يلتبس على الناس أمر السّحرة فيتوهّمون أنّ حبالهم وعصيهم بمنزلة عصاه. وقيل : كان خوفه خوف الطبع لما رأى من كثرة الحيّات العظام.
قوله تعالى : (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) (٦٨) عليهم بالظّفر والغلبة. قوله تعالى : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ ؛) يعني العصا ، (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا ؛) أي تلقم وتبلع ما طرحوا من العصيّ والحبال ، (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ ؛) أي أنّ الذي
__________________
(١) ينظر : جامع البيان : ج ٩ ص ٢٣٢.
(٢) ينظر : معالم التنزيل للبغوي : ص ٨٢٢.