قوله تعالى : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً ؛) قد تقدم تفسيره ، قوله تعالى : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ؛) يعني آدم وذريّته وإبليس وذريّته ، قوله تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً ؛) أراد به الكتاب والرّسول ، (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ ؛) أي من اتّبع الكتاب والرسول ، (فَلا يَضِلُ) في الدّنيا ، (وَلا يَشْقى) (١٢٣) في الآخرة. قال ابن عبّاس رضي الله عنه : (ضمن الله لمن قرأ القرآن وعمل به أن لا يضلّ ولا يشقى) (١).
قوله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ؛) أي عن موعظتي ، وقيل : عن القرآن فلم يؤمن به ولم يتّبعه ، (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ،) الضّنك : الضيّق والشدة والصّعوبة. قال ابن عبّاس : (يعني أنّ عيشه يكون منغّصا عليه غير موقن بالخلف والجزاء) ، وقال عبد الله بن مسعود وأبو سعيد الخدريّ والسديّ : (معنى قوله (مَعِيشَةً ضَنْكاً) عذاب القبر ؛ يضيق عليه حتّى تختلف أضلاعه) (٢) ، وقال الحسن : (هو الضّريع والزّقّوم في النّار) ، قال عكرمة : (هو أكل الحرام في الدّنيا الّذي يؤدّيه إلى النّار).
وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [أتدرون ما المعيشة الضّنكة؟] قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : [عذاب الكافر في قبره ، والّذي نفسي بيده إنّه ليسلّط عليه تسعة وتسعون تنّينا ، لكلّ تنّين سبعة رؤوس ، ينهشونه ويلسعونه ويخدشون لحمه إلى يوم القيامة ، ولو أنّ تنّينا نفخ في الأرض لم تنبت شيئا](٣). وقال ابن زيد : (المعيشة الضّنكى : الزّقّوم والغسلين والضّريع) ، وقال الضحّاك : (الكسب الخبيث) ، وقيل : إذا كان العبد سيّء الظنّ بالله ضاق عليه عيشه وضنك. وقال ابن جبير : (معنى قوله : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) أي سلبه القناعة حتّى لا يشبع).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٨٤٠٨). وابن أبي حاتم في التفسير : ج ٧ ص ٢٤٣٨.
(٢) في الدر المنثور : ج ٥ ص ٦٠٧ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في عذاب القبر عن أبي سعيد الخدري مرفوعا).
(٣) رواه ابن حبان في الصحيح : الحديث (٣١٢٢). والآجري في الشريعة : ج ٣ ص ١٢٧٣ : الحديث (٨٤٠) ، وإسناده حسن.