قوله تعالى : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ ؛) أي هذا القرآن الذي أنزلناه عليك يا محمّد ، ذكر يتبرّك به قارئه فيجزيه الأجر العظيم ، (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (٥٠) ؛ يا أهل مكّة ، وهذا توبيخ لهم.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ ؛) أي من قبل بلوغه ، وقيل : معناه : من قبل موسى وهارون ، والمعنى : آتيناه هداه وهو صغير حين كان في السّرب حتى عرف الحقّ من الباطل ، (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) (٥١) ؛ أي آتيناه رشده ، (إِذْ ،) حين ، (قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ،) في الوقت الذي خرج من السرب فرآهم يعكفون على الأصنام : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) (٥٢) أي التصاوير التي لأجلها مقيمون عليها ، (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) (٥٣) بيّنوا بهذا الجواب أنه لا حجّة لهم في عبادة الأصنام إلّا تقليدهم لآبائهم ، فأجابهم إبراهيم ، (قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ؛) في عبادة الأصنام ، (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٥٤) ؛ عن الحقّ ظاهر.
قوله تعالى : (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) (٥٥) ؛ قالوا له أجادّ أنت فيما تقول؟ محقّ أم لاعب مازح؟ وذلك لأنّهم كانوا يستبعدون إنكار عبادتها ، (قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ ؛) أي بل إلهكم مالك السّموات والأرض الذي خلقهنّ (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ ؛) ما قلت لكم ؛ (مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٥٦).
قوله تعالى : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ ؛) أي لأبطلنّها ولأكسرنّها ولأمكرنّ بها وقت مغيبكم عنها ، وذلك لأنّهم كانوا يعزمون على الذهاب إلى عيدهم ، فقال لهم عند ذلك هذا القول. والكيد في اللغة : هو الإضرار بالشّيء ، قال مجاهد وقتادة : (إنّما قال إبراهيم هذا القول في نفسه من قومه سرّا ، ولم يسمع ذلك إلّا رجل منهم ، وهو الّذي أفشاه سرّه عليه ، وهو الّذي قال : سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) (١).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٨٥٩٢ ـ ١٨٥٩٣).