قال الشعبي : (كان لهم في كلّ سنة مجمع وعيد ، وكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ، فلما كان ذلك العيد قال أبو إبراهيم له : يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا لأعجبك ديننا! فخرج إبراهيم معهم ، فلما كان في بعض الطريق ألقى نفسه ، وقال : إنّي سقيم ؛ أي اشتكي رجلي ، فربطوا رجله وهو صريع ، فلما مضوا نادى في آخرهم : وتالله لأكيدنّ أصنامكم ، (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) (٥٧).
ثم رجع إبراهيم إلى بيت أصنامهم ، فوجد معهم صنما كبيرا إلى جنبه أصنام أصغر منه ، وإذا هم قد جمعوا طعاما فوضعوه بين يدي الأصنام وقالوا : إذا كان وقت رجوعنا رجعنا وقد باركت الآلهة لنا في طعامنا فأكلنا ، فلما نظر إبراهيم إليهم وإلى ما بين أيديهم من الطعام ، قال لهم على طريق الاستهزاء بهم : ألا تأكلون؟ فلما لم يجيبوه ، قال لهم : ما لكم لا تنطقون ، فراغ عليهم ضربا باليمين ، وجعل يكسرهم بفأس في يده حتى لم يبق إلّا الصنم العظيم ، فعلّق الفأس في عنقه ثم خرج). فذلك قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ ؛) فإنه لم يكسره (١).
قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) فيه إضمار ؛ أي لمّا ولّوا مدبرين جعلهم جذاذا. قرأ الكسائيّ بكسر الجيم أي كسرا وقطعا ، جمع جذيذ وهو الهشيم مثل خفيف وخفاف وكريم وكرام ، وقرأ الباقون بضمّ الجيم ؛ أي جعلهم حطاما ورفاتا.
قوله تعالى : (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) فإنه لم يكسره ، (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) (٥٨) فيحتجّ عليهم إبراهيم ويبرهن لهم (٢) على أن أصنامهم لم لم تقدر على دفع الكسر عن أنفسها؟ فلم يعبدوها؟ وكيف يكون إلها من لا يقدر على دفع ما نزل به؟. وقيل : معناه : لعلّهم يرجعون ؛ أي إلى دين إبراهيم ، وإلى ما يدعوهم إليه بوجوب الحجّة عليهم في عبادة ما لا يدفع الضّرّ عن نفسه ، وينتهوا عن جهلهم وعظم خطاياهم.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٨٥٩٧).
(٢) في المخطوط : (يدهنهم) وهو غير مناسب. وأثبتنا ما رأيناه مناسبا ، والله أعلم.