قوله تعالى : (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا ؛)(١) فلمّا رجعوا من عيدهم ورأوا أصنامهم مكسّرة ، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا؟ (إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٥٩) أي فعل ما لم يكن له أن يفعل ، فقال الذي سمع إبراهيم ؛ (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) (٦٠) ؛ وذلك أن بعضهم كانوا قد سمعوه يذكر أصنامهم بالعيب ويقول : إنّها ليست بآلهة.
فقالوا : ينبغي أن يكون ذلك الفتى هو الذي كسرها ، (قالُوا فَأْتُوا بِهِ ؛) بذلك الفتى ، (عَلى أَعْيُنِ ؛) أي مرأى من ، (النَّاسِ ؛) لكي يشهد الذين عرفوه أنه يعيب الأصنام. وقيل : إنه لمّا بلغ النمرود وأشراف قومه ما فعل بأصنامهم وما قالوه ، في إبراهيم أنه هو الذي فعل ذلك ، قال النمرود ومن معه : فأتوا به على أعين النّاس ، (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) (٦١) ؛ أنه هو الذي فعل ذلك بهم ، وكرهوا أن يأخذوه بغير بيّنة. وقيل : معناه : لعلّهم يشهدون ما يصنع به من العقوبة ؛ أي يحضرون.
قوله تعالى : (قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ) (٦٢) أي فلمّا أتوا به قالوا : أنت فعلت هذا الكسر بآلهتنا ، (قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ؛) الذي الفأس في عنقه ، (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) (٦٣) حتى يخبروكم ، وأراد بهذا تقريرهم بأنّهم ظالمون في عبادتهم ما لا يدفع عن نفسه ؛ لأن جماعتهم كانوا يعلمون أن الصنم لا يعقل ولا ينطق ، فأراد إبراهيم بذلك تبكيت القوم وتوبيخهم على عبادة من لا يعقل ولا يفعل ، ولذلك قال : فاسألوهم إن كانوا يقدرون على النّطق.
قوله تعالى : (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ ؛) أي فرجعوا إلى أنفسهم بالملامة ، (فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) (٦٤) ؛ في سؤاله ؛ لأنّها لو كانت آلهة لم يصل إلى كسرها أحد ؛ (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ ؛) أي أدركتهم حيرة فنكّسوا لأجلها رؤوسهم ، وأقرّوا بما هو حجّة عليهم ، فقالوا : (لَقَدْ عَلِمْتَ ،) يا إبراهيم ، (ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) (٦٥) ؛ فكسرتهم لذلك.
__________________
(١) في المخطوط : (يا إبراهيم) ويبدو أنه تحريف.