وقيل : معنى الآية : تذكّروا بقلوبهم ، ورجعوا إلى عقولهم ، فقالوا : ما نراه إلّا كما قال إنّكم أنتم الظّالمون بعبادتكم آلهة لا تنطق ولا تبطش ، ثم أدركتهم الشقاوة ، فعادوا إلى قولهم الأوّل وضلالهم القديم ، وهو قوله (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) أي ردّوا إلى الكفر بعد أن أقرّوا على أنفسهم بالظّلم ، فقالوا لإبراهيم : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون فلذلك كسرتهم.
فلما اتّجهت الحجّة عليهم بإقرارهم ، وبّخهم إبراهيم و (قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً ؛) ولا يرزقكم (وَلا يَضُرُّكُمْ) (٦٦) ؛ إذا لم تعبدوه ، (أُفٍّ لَكُمْ ؛) أي تبّا لكم ، (وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٦٧) ؛ أنّ هذه الأصنام لا تستحقّ العبادة ، إذ هي أحجار لا حركة لها ولا بيان ، أفليس لكم ذهن الإنسانيّة.
قوله تعالى : (قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ ؛) أي لمّا ألزمتهم الحجة ، وعجزوا عن الجواب غضبوا فقالوا : حرّقوه وانصروا آلهتكم بتحريقه ؛ لأنه يعيبها ويطعن فيها ، فإذا حرقتموه كان ذلك نصرا منكم إياها. وقيل : معناه : وانتقموا لآلهتكم وعظّموها ، (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (٦٨) ؛ في هذا شيئا.
فاشتغلوا بجمع الحطب حتى كان الشيخ الكبير يأتي بالحطب تقرّبا إلى آلهتهم ، وحتى أن المريض كان يوصي بكذا وكذا من ماله فيشتري به حطبا فيلقى في النار ، وحتى أن المرأة لتغزل فتشتري به حطبا ، وتلقيه في النار. قال ابن عمر : (إنّ الّذي أشار عليهم بتحريق إبراهيم رجل يسمّى (هيزن) فخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) (١).
فلما أجمع النمرود وقومه على إحراق إبراهيم حبسوه في بيت وبنوا بيتا كالحظيرة ، فذلك قوله تعالى : (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ)(٢) ثم جمعوا له أصلاب الحطب من أنواع الخشب ، حتى أن المرأة كانت إذا مرّت تقول :
__________________
(١) القول لشعيب الجبئي كما في جامع البيان : النص (١٨٦١٦).
(٢) الصافات / ٩٧.