قد بيّنه وهو قوله (أبصار الّذين كفروا) ، كقول الشاعر (١) :
لعمر أبيها لا تقول ظعينتي |
|
إلّا فرّ عنّي مالك بن أبي كعب |
فكنى عن الظعينة ثم أظهرها (٢) ويكون تقدير الكلام : فإذا الأبصار شاخصة أبصار الّذين كفروا. وقيل : يكون قوله (هي) عماد مثل قوله (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ)(٣). قوله تعالى : (يا وَيْلَنا ؛) أي قالوا يا ويلنا ؛ (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا ؛) اليوم في الدّنيا ، (بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) (٩٧) ؛ لأنفسنا بالكفر.
قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٩٨) ؛ معناه : إنّكم يا أهل مكّة وما تعبدون من الأصنام وقود جهنّم. والحصب في اللغة : هو كلّ ما يرمى به ، يقال : حصبه بالحصا إذا رماه بها ، وفي القراءة الشاذة : (حضب جهنّم) وهي قراءة (٤) ابن عبّاس ، والحضب : ما يهيّج به النار ، ومنه قيل لدقاق النار حصب. وقرأ عليّ وعائشة : (حطب جهنّم) (٥).
قوله تعالى : (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) أي فيها خالدون ، والحكمة في إدخال الأصنام النار مع أنّها لا ذنب لها في عبادة من يعبدها : أن يقصد بإدخالها تعذيب عبّادها ، فما كان منها حجرا أو حديدا يحمى فيلتزق بعبّادها ، وما كان منها خشبا جعل جمرة فيعذبون بها ، أو يكون في إدخال معبودهم معهم في النار زيادة ذلّ وصغار عليهم.
قوله تعالى : (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها ؛) استجهالا لهم في عبادة الأصنام ؛ أي لو كان الأصنام آلهة كما يزعم الكفار ما وردوها ؛ أي دخل عابدوها النار ، (وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ) (٩٩) ؛ يعني العابد والمعبود.
__________________
(١) هو من شواهد الفراء في معاني القرآن : ج ٢ ص ٢١٢. ومالك بن كعب قاله في حرب كانت بينه وبين رجل من بني ظفر.
(٢) في معاني القرآن : ج ٢ ص ٢١٢ ؛ قال الفراء : (فذكر الظعينة وقد كنى بها في (لعمر).
(٣) الحج / ٤٦. ينظر : معاني القرآن للفراء : ج ٢ ص ٢١٢.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٨٧٦٨).
(٥) ينظر : جامع البيان : مج ١٠ ج ١٧ ص ١٢٣ ـ ١٢٤ ؛ ذكره الطبري قال : (وروي عن علي وعائشة أنهما كانا يقرءان ذلك).