قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ؛) قال ابن عبّاس : (نزلت في النّضر بن الحارث ؛ كان يكذّب بالقرآن ويزعم أنّه من أساطير الأوّلين ، وكان كثير الجدل ، ويقول : الملائكة بنات الله ، ويزعم أنّ الله غير قادر على إحياء الموتى). والمعنى : ومن الناس من يخاصم في دين الله بغير علم ولا حجّة ، (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) (٣) ؛ أي متمرّد على الله. قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ؛) أي كتب عليه الشيطان إضلال من تولّاه ؛ (وَيَهْدِيهِ) وهدايته إياه (إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (٤) ؛ وقيل : الهاء في قوله (كتب عليه) راجعة إلى من يتّبع الشيطان فيتقبّل منه.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ ؛) معناه : يا أهل مكة إن كنتم في شكّ من البعث بعد الموت ، فتفكّروا في ابتداء خلقكم فإنّ إعادتكم ليست بأشدّ من أوّل خلقكم ، ثم بيّن ابتداء خلقهم فقال : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) أي خلقنا أباكم آدم ، ثم صوّرناه لحما ودما.
قوله تعالى : (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ؛) أي ثم جعلناكم بعد ذلك من النّطفة التي تكون من الذكر والأنثى ، (ثُمَ) خلقنا (مِنَ) تلك النطفة ؛ (عَلَقَةٍ ؛) وهي قطعة من الدم (ثُمَّ ؛) جعلنا العلقة (مِنْ مُضْغَةٍ ؛) وهي القطعة من اللّحم ، تسمّى مضغة ؛ لأنّها مقدار ما يمضغ من اللّحم.
قوله تعالى : (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ؛) أي تامّة الخلق وغير تامة الخلق ، وقيل : مصوّرة وغير مصوّرة ، وهي السّقط. قال عبد الله بن مسعود : [إذا وقعت النّطفة في الرّحم ؛ بعث الله ملكا يأخذها بكفّه فيقول : يا رب مخلّقة أو غير مخلّقة؟ فإن قال : غير مخلّقة ؛ مجّتها الأرحام دما ، وإن قال : مخلّقة ، قال : يا رب أذكر أم أنثى؟ وما رزقها وما أجلها؟ وشقيّ أم سعيد؟ وبأيّ أرض تموت؟
فيقال له : اذهب إلى أمّ الكتاب فإنّك تجد ذلك ، فاستنسخ منه صفة هذه النّطفة ، فينطلق فيستنسخها. فتخلق فتعيش في أجلها ، وتأكل رزقها ، حتّى إذا جاء أجلها ماتت ، فتذهب إلى المكان الّذي كتب لها](١).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٨٨٤٥).