الصّدقة ، وأصابوا خيرا اطمأنّوا بذلك وفرحوا به ، وإن أصابهم وجع وآفة ، وولدت نساؤهم البنات ، وتأخّرت عنهم الصّدقة ، قالوا : ما أصابنا مذ كنّا على هذا الدّين إلّا شرّ ، فينقلب عن دينه ، وذلك الفتنة) (١).
ومعنى الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) اي على ضعف في العبادة ، لضعف القيام على الأحرف لا يدخل في الدّين على ثبات وتمكّن. وقيل : معناه : على شكّ كأنه قائم على حرف جدار وطرف جبل ، لا يدخل في الدّين على ثبات ويقين وطمأنينة ، فهو كالمضطرب على شفا جرف ، (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ ؛) رخاء وعافية وسعة ، (اطْمَأَنَّ بِهِ) على عبادة الله بذلك الخير ، (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ ؛) أي محنة تضييق العيش ونحو ذلك ، (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ؛) أي رجع إلى دينه الأوّل وهو الشّرك بالله. قوله تعالى : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ؛) أي خسر في الدّنيا العزّ والغنيمة ، وفي الآخرة الجنّة ، (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (١١) ؛ أي الظاهر. قرأ الأعرج ويعقوب : (انقلب على وجهه خاسرا الدّنيا والآخرة) بالألف (والآخرة) بالخفض ، ونصب (خاسر) على الحال (٢).
قوله تعالى : (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ؛) أي يعبد من دون الله ما لا يضرّه إن ترك عبادته ، ولا ينفعه إن عبده ، (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (١٢) ؛ عن الحقّ والرّشد ، (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ ؛) أي يدعو ما لا نفع له أصلا ، ومن عادة العرب أنهم يقولون لشيء لا منفعة فيه : لضرره أكثر من نفعه ، كما يقولون لشيء لا يكون أصلا : هذا بعيد. قوله تعالى : (لَبِئْسَ الْمَوْلى ؛) أي بئس الناصر ، وقوله تعالى : (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) (١٣) ؛ أي بئس الصاحب والمعاشر ، يعني الصنم.
واختلفوا في اللّام في قوله (لمن ضرّه) : قيل معناه التأخير كأنه قال : يدعو من والله لضرّه أقرب من نفعه ، وإنّما قدمت اللام للتأكيد ، ونظير هذا قولهم : عندي لما غيره خير منه ، معناه : عندي ما لغيره خير منه. وقيل (لمن ضرّه) كلام مبتدأ وخبره
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٨٨٦٣). وابن أبي حاتم في التفسير : الأثر (١٣٧٩٧).
(٢) ينظر : جامع البيان : ج ١٠ ص ١٦٣.