قوله تعالى : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ ؛) أي قل يا محمّد أفأخبركم بشرّ عليكم من غيظكم على التالي لآيات الله وهو (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ؛) يصيرون إليها ، (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٧٢) ؛ وقيل : إنّ الكفار قالوا : والله ما رأينا قوما أقلّ حظّا منكم يا أصحاب محمّد ، قال الله تعالى : قل يا محمّد : أفأخبركم بشرّ من ذلكم ؛ أي بشرّ مما قلتم : النار من دخلها فحاله شرّ من حالنا.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ؛) معناه : يا أهل مكّة بيّن مثل آلهتكم فاستمعوا له : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ؛) من الأصنام ، (لَنْ يَخْلُقُوا ؛) أي لن يقدروا أن يخلقوا ، (ذُباباً ؛) مع صغره وقلّته ، (وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ؛) العابد والمعبود على ذلك ، وكان لهم ثلاثمائة وستّون صنما حول الكعبة.
قوله تعالى : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ؛) قال ابن عبّاس : (كانوا يطلون أصنامهم بالزّعفران والعسل ، فيأتي الذّباب فيحمله فلا يقدرون أن يستردّوه من الذّباب) (١). وقال السديّ : (كانوا يجعلون للأصنام طعاما ، فيقع عليه الذّباب فيأكل منه فلا يستطيعون إنقاذه منه) (٢) ف (ضَعُفَ الطَّالِبُ ؛) من الأصنام ، (وَالْمَطْلُوبُ) (٧٣) ؛ هو الذباب. وقال الضحّاك : (معناه ضعف العابد والمعبود) (٣). وقيل : معناه : ضعف الذّباب الطالب لما يأخذه من الصّنم ، وضعف المطلوب يعني الصّنم. وقيل : ضعف الطالب من هذا الصنم المتقرّب إليه ، والصنم المطلوب منه ذلك.
وقيل : إن المشركين كانوا خرجوا في عيد لهم بأصنامهم ، وقد زيّنوها باليواقيت واللآلئ وأنواع الجواهر ، وطيّبوها بأنواع الطّيب وغشّوها بالحليّ والحلل ، فجاء ذباب فأخذ شطبة من تلك الزّينة ـ أي قطعة ـ فطار بها في الهواء ، فأراهم الله تعالى العبرة في ضعفهم وضعف معبودهم ، فلا أحد مما لا يمكنه الاستنقاد من الضعيف.
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير : ج ٨ ص ٢٥٠٥.
(٢) ينظر : معالم التنزيل للبغوي : ص ٨٧٥.
(٣) ينظر : معالم التنزيل للبغوي : ص ٨٧٥.