قوله تعالى : (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ؛) أي ما عرفوه حقّ معرفته ، ولا عظّموه حقّ تعظيمه حيث عدلوا به من لا يقدر أن يخلق ذبابا ، أو يستنقذ من ذباب ما ذهب به منه ، (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٧٤) ؛ أي قويّ على خلقه ، عزيز في ملكه ، لا يقدر أحد على مغالبته.
قوله تعالى : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً ؛) معناه : الله يختار من الملائكة رسلا يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، (وَمِنَ النَّاسِ) يعني من النبيّين. أخبر الله عزوجل أنّ الاختيار إليه ، ويختار من يشاء ممن خلقه ، فيجعلهم رسله وأنبياءه يبعثهم إلى خلقه ، فأطيعوهم واحذروا معصيتهم ، (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ ؛) بمقالتكم ، (بَصِيرٌ) (٧٥) ؛ بأعمالكم وضمائركم. قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ؛) أي يعلم ما بين أيدي الملائكة ورسله قبل أن يخلقهم ، (وَما خَلْفَهُمْ) أي ما يكون بعد فنائهم (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٧٦) ؛ عواقب الأمور.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ؛) أي صلّوا ، قوله تعالى : (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ؛) أي بجميع العبادات ، (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ؛) من أنواع البرّ مثل صلة الرّحم ، وبرّ الوالدين ، ومكارم الأخلاق ، (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٧٧) ؛ روي أنّهم كانوا في أوّل الإسلام يسجدون بغير ركوع ، حتى نزلت هذه الآية.
قوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ ؛) أي جاهدوا المشركين بحسب الطّاقة واستفراغها ، ولا تخافوا في الله لومة لائم ، وقال بعض المفسّرين : معناه : اعبدوا الله حقّ عبادته وأطيعوه حقّ طاعته. قال السديّ : (هو أن يطاع فلا يعصى) (١) وقال مقاتل : (نسختها آية التّغابن (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(٢)) ، وقيل : هو مجاهدة النّفس والهوى ، وذلك حقّ الجهاد وهو الجهاد الأكبر.
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير : ج ٨ ص ٢٥٠٦.
(٢) الآية / ١٦.