وقال بعضهم : هو حقّ الجهاد (١) ؛ لما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال حين رجع من بعض غزواته : [رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر](٢). وقال بعضهم : في حقّ الجهاد أنه [كلمة عدل عند سلطان جائر](٣). وقال الحسن : (هو أن تؤدّي جميع ما أمرك الله به ، وتجتنب جميع ما نهاك الله عنه ، وتترك رغبة الدّنيا). وقال الضحّاك : (معناه : جاهدوا بالسّيف من كفر بالله ، وإن كانوا الآباء والأبناء).
قوله تعالى : (هُوَ اجْتَباكُمْ ؛) أي اختاركم لدينه وجهاد أعدائه ، والاجتباء : هو اختيار الشّيء بما فيه من الصّلاح ، يقال : الحقّ يجتبى ، والباطل يتّقى. قوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ؛) أي ما جعل عليكم في شرائع دينكم من ضيق ، وذلك أنه ما يتخلّص منه بالتوبة ، وما يتخلّص منه بردّ المظلمة ، ويتخلص منه بالقصاص ، وليس في دين الإسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من العقاب به ، بل من أذنب ذنبا جعل الله له مخرجا منه بالتوبة والكفّارات ، ولم يبق في ضيق ذلك الذنب. وقال مجاهد : (يعني الرّخص عند الضّرورات كالقصر ؛ والتّيمّم ؛ وأكل الميتة ؛ والإفطار عند المرض والسّفر).
قوله تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ ؛) أي إلزموا واتّبعوا ملّته ، وقيل : معناه : وسّع عليكم في الدّين كملّة أبيكم إبراهيم ، إلّا أنه لمّا حذف حرف الجرّ نصب الملّة ، وإنّما أمر باتّباع ملّة إبراهيم ؛ لأنّها داخلة في ملّة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم.
وإنّما قال : (أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) وإن لم يكن جميعهم من نسبه ؛ لأن حرمة إبراهيم عليهالسلام على المسلمين كحرمة الوالد على الولد ، وحقّه كحقّ الوالد ، كما قال تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ)(٤).
__________________
(١) في جامع البيان : تفسير الآية : مج ١٠ ج ١٧ ص ٢٦٨ ؛ قال الطبري : (وحق الجهاد : هو استتفراغ الطاقة فيه).
(٢) ذكره البغوي أيضا في معالم التنزيل : ص ٨٧٦.
(٣) أخرجه أبو داود في السنن : كتاب الملاحم : باب الأمر والنهي : الحديث (٤٣٤٤). والترمذي في الجامع : أبواب الفتن : الحديث (٢١٧٤).
(٤) الأحزاب / ٦.