قال ابن عبّاس : (كانت الشّياطين لا تحجب عن السّموات كلّها ، وكانوا يقعدون في السّماء مقاعد للسّمع ، فيستمعون إلى ما هو كائن في الأرض من الملائكة ، فينزلون به على كهنتهم ، فيتكلّم به الكهنة للنّاس ، حتّى بعث عيسى عليهالسلام فمنعوا من ثلاث سموات ، وكانوا يصعدون إلى أربع سموات إلى أن بعث الله النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فمنعوا من السّموات السّبع ، وحرست السّماء بالنّجوم والملائكة ، فما منهم أحد يريد استراق السّمع إلّا رمي بشهاب ، فمنهم من يأتي على نفسه ، ومنهم من يخبل) (١). فذلك قوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) (١٨) ؛ أي نجم مضيء حارّ يتوقد لا يخطؤه ، والشّهاب : هو الكوكب المنقضّ.
قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها ؛) أي بسطناها ، (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ ؛) أي جبالا ثوابت أوتادا لها ، (وَأَنْبَتْنا فِيها ؛) أي في الجبال ، (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) (١٩) ؛ من كلّ ما يوزن مثل الذهب والفضة والحديد والصّفر والنّحاس والرصاص. ويجوز أن يكون المعنى : وأنبتنا في الأرض من كلّ شيء من النبات والثمار مقدور مقسوم لا يجاوز ما قدّره الله على ما تقتضيه الحكمة. وأما تخصيص الموزون فلأنّ ما يكال من الحبوب يعاقبه الوزن أيضا.
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) أي جعلنا لكم في الأرض معايش مما تأكلون وتشربون وتلبسون ، وقوله تعالى : (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) (٢٠) ؛ أي وجعلنا لمن لستم له برازقين معايش من الدواب وغيرها ، وجاءت (من) لغير الناس كقوله تعالى (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ)(٢) الآية. وقيل : المعنى : وجعلنا لكم من لستم له برازقين ، كأنه قال : جعلنا لكم فيها معايش ، وجعلنا لكم العبيد والدوابّ ، وكفيناكم مؤنة أرزاقها.
قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ ؛) أي ما من شيء تحتاجون إليه من النّبات والثمار والأمطار ، إلّا ومفاتيحه إلينا وهو في مقدورنا. قوله
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ١٠ ؛ نقله القرطبي عن الكلبي عن ابن عباس.
(٢) النور / ٤٥.