حاجته إليه ، ثم يجد عند ذلك من العقاب كما قال تعالى : (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ ؛) أي عند عمله ، يعني : قدم على الله ، (فَوَفَّاهُ حِسابَهُ ؛) أي جازاه بعمله. والسّراب : هو الشعاع الذي يتراءى للعين وقت الهاجرة في الفلوات ، يرى من بعيد كأنه ماء وليس بماء. والبقيعة : جمع بقاع ، والقيعة جمع قاع ، نحو جار وجيرة ، وهو ما انبسط من الأرض وفيه يكون السّراب.
وقيل : معناه : أنّ الكافر يحسب أن عمله يغني عنه وينفعه ، فإذا أتاه الموت واحتاج إلى عمله لم يجده شيئا ؛ أي لا منفعة فيه ووجد الله عنده بالمرصاد عند ذلك فوفّاه جزاء عمله ، (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٣٩) ؛ أي سريع حسابه كلمح البصر أو أقلّ ؛ لأنه تعالى لا يتكلم بآلة حتى يشغله سمع عن سمع. وسئل عليّ رضي الله عنه : كيف يحاسبهم في حالة واحدة؟ فقال : (كما رزقكم في حالة واحدة).
قوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ؛) هذا تخير في المثل ، والمعنى : أن مثل أعمال الكفار أيضا في الدّنيا ، ومثل قلوبهم في حياتهم الدّنيا كمثل ظلمات في بحر لجّيّ ؛ أي عميق كثير الماء يعلوه موج ومن فوق ذلك الموج الأعلى سحاب.
وهذا حدّ الكلام ، ثم ابتدأ فقال : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ ،) أراد به ظلمة البحر وظلمة الموج الأدنى وظلمة الموج الأعلى وظلمة السّحاب وظلمة الليل. قال المفسّرون : أراد بالظّلمات أعمال الكفار ، وبالبحر اللّجّيّ قلب الكافر ، وبالموج ما يغشى عليه من الجهل والشكّ والحيرة ، وبالسّحاب الدّين والختم والطبع على قلبه.
قال أبيّ بن كعب في هذه الآية : (الكافر يتقلّب في خمس من الظّلم : فكلامه ظلمة ؛ وعمله ظلمة ؛ ومدخله ومخرجه ظلمة ؛ وقلبه ظلمة ؛ ومصيره يوم القيامة إلى ظلمة ، كما قال تعالى : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً)(١)) (٢).
__________________
(١) الحديد / ١٣.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٩٨٢٢). وابن أبي حاتم في التفسير : الأثر (١٤٦٨٨).