وذلك أن عليّا رضي الله عنه باع من عثمان رضي الله عنه أرضا بالمدينة لا ينالها الماء ، فجاء قوم عثمان فندّموا عثمان على ما صنع وقالوا له : لا تذهب في خصومتك مع عليّ إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنّه يحكم له! فلم يقبل منهم عثمان ، وتحاكما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقضى لعليّ رضي الله عنه ، فأبى قوم عثمان أن يرضوا بقضائه ، فقال عثمان رضي الله عنه : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) أي سمعنا قولك يا رسول الله وأطعنا أمرك ورضينا بحكمك وقضائك ، وإن كان ذلك فيما يكرهونه ويضرّ بهم. وقوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥١) ؛ يعني الرّاضين بقضاء الله ورسوله.
فلما نزلت هذه الآية أقبل عثمان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : (يا رسول الله ؛ والله لئن شئت لأخرجنّ من أرضي كلّها الّتي أملكها وأدفعها إليه) (١) فأنزل الله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ ؛) معناه : ومن يطع الله ورسوله فيما ساءه وسرّه ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتّق الله فيما بعد فلم يعص الله ، (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) (٥٢) ، برضى الله وحسناته.
وقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ؛) أي حلفوا بالله وبالغوا في القسم ، (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ ،) من مالهم كلّه لفعلوا ، (قُلْ) لهم : (لا تُقْسِمُوا ؛) أي لا تحلفوا ، وتمّ الكلام ها هنا. ثمّ قال : (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ؛) أي هذا القول منكم يعني القسم طاعة حسنة.
وقال بعضهم : هذه الآية نزلت في المنافقين ؛ كانوا يحلفون لئن أمرهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالخروج إلى الجهاد ليخرجنّ ، ولم يكن في نيّتهم الخروج (٢) ، فقيل لهم : لا تقسموا طاعة معروفة مثل من قسمكم بما لا تصدّقون ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (٥٣) ؛ يعني عليم بما تعملون من طاعتكم بالقول «و» مخالفتكم بالفعل (٣).
__________________
(١) لم أقف عليه ، إلا أن القرطبي ذكر في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٢ ص ٢٩٣ قصة قريبة من هذا المعنى بين المغيرة بن وائل من بني أمية وعلي رضي الله عنه ، وقال : (ذكره الماوردي).
(٢) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ٩١٥ بمعناه.
(٣) في المخطوط : (بالقول مخالفتكم بالفعل) من دون (و).