كانت معه الإبل مجفّلة فلا يشرب من ألبانها حتّى يجد من يشاربه ، فأعلم الله تعالى أن الرجل منهم إذا أكل وحده فلا إثم عليه. ومعنى (أَشْتاتاً) متفرّقين.
ويستدلّ من هذه الآية أن للجماعة في السّفر أن يخلطوا طعامهم فيأكلوا جميعا أو يأكل واحد منهم من زاده ولا حرج عليه في ذلك. والغرض من هذه الآيات : نفي الحرمة عن كلّ ما تطيب به الأنفس.
وعن ابن عبّاس رضي الله عنه في سبب نزول هذه الآيات : (أنّ الله تعالى لمّا أنزل قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)(١) تحرّج المسلمون من مؤاكلة المرضى والزّمنى والعميان والعرج ، وقالوا : قد نهانا الله عن أكل المال بالباطل ، والأعمى لا يبصر موضع الطّيّب من الطّعام ، والأعرج لا يستطيع المزاحمة ، والمريض لا يستوفي حقّه من الطّعام ، فأنزل الله هذه الآيات).
والمعنى : ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض حرج. وقال الضحّاك : (كان العميان والعرجان يتنزّهون عن مؤاكلة الأصحّاء ؛ لأنّ النّاس يتقذرونهم ويكرهون مؤاكلتهم ، وكان أهل المدينة لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا أعرج ولا مريض تقذّرا ، فأنزل الله هذه الآيات).
قوله تعالى : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ؛) أي يسلّم بعضكم على بعض ، وإنّما قال (عَلى أَنْفُسِكُمْ) لأن المؤمنين كنفس واحدة. وقيل : هذا في دخول الرجل بيت نفسه ، والسّلام على أهله ومن في بيته. قال قتادة : (إذا دخلت بيتك فسلّم على أهلك فهم أحقّ من سلّمت عليه ، وإذا دخلت بيتا ليس فيه أحد ، فقل : السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين ، ومن السّنّة إذا دخل الرّجل بيت نفسه أن يسلّم على أهله ، فإنّه يزداد بذلك بركة في بيته وأهله) (٢).
__________________
(١) النساء / ٢٩.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير : الأثر (١٤٩٠٢). وفي الدر المنثور : ج ٦ ص؟؟ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي).