قوله تعالى : (أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ ؛) أخرج الكلام على وفق العادة ؛ لأن الغالب من أحوال هؤلاء أن تطيب أنفسهم بذلك ، فجاز الأكل من بيوتهم بغير إذن لدلالة الحال.
فأمّا إذا علم أن صاحب البيت لا تطيب نفسه بذلك ، لا يحلّ له أن يتناول شيئا من ذلك ، (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ ؛) يعني بيوت عبيدكم وإمائكم ، وذلك أن السيّد يملك بيت عبده ، أو المفاتح معناها الخزائن ، كقوله تعالى (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ)(١) أي خزائن الغيب.
ومعناه : المفاتيح التي يفتح بها الخزائن ، يعني بذلك الوكلاء والأمناء والعبيد الذين يملكون أمر الخزائن وتكون مفاتحها بأيديهم ، فليس عليهم في الأكل جناح إذا كان أكلا يسيرا مثل أن يأكل من ثمر حائط يكون قيّما عليه أو يشرب من لبن ماشية يكون قيّما عليها. وقال السديّ : (الرّجل يولّي طعامه غيره يقوم عليه ، فلا بأس أن يأكل منه) (٢).
قوله تعالى : (أَوْ صَدِيقِكُمْ ؛) يعني صديقا يسرّه أن يأكل من طعامه ، وإنّما أطلقه على عادة الصحابة رضي الله عنهم كما روي في سبب نزول هذا : أنّ مالك بن يزيد والحارث بن عمرو كانا صديقين ، فخرج الحارث غازيا وخلّف مالكا في أهله وخزائنه ، فلمّا رجع من الغزو رأى مالكا مجهودا ، قال : ما أصابك؟ قال : لم يكن عندي شيء ، ولم يحلّ لي أن آكل من مالك ، فنزل قوله تعالى (أَوْ صَدِيقِكُمْ)(٣).
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) سبب نزول هذه الآية : أن بني كنانة ـ وهم حيّ من العرب ـ كان الواحد منهم يجوع أيّاما ولا يأكل حتّى يجد ضيفا فيأكل معه ، وإذا لم يجد أحدا فلا يأكل شيئا ، وربّما
__________________
(١) الأنعام / ٥٩.
(٢) (٢ و ٢) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ٩١٩.
(٣) (٢ و ٢) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ٩١٩.