وقوله تعالى : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ؛) معناه : وأن يستعففن فلا يضعن الجلباب في الملاءة والقناع فهو خير لهنّ من أن يضعن ، (وَاللهُ سَمِيعٌ ؛) مقالة العباد ، (عَلِيمٌ) (٦٠) ؛ بأعمالهم. يقال : امرأة عداد أقعدت عن الحيض ، فإذا قال : قاعدة بالهاء أراد به جالسة ، والجمع فيهما جميعا قواعد.
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ؛) وذلك أنّ المسلمين كانوا إذا غزوا خلّفوا أزمانهم وكانوا يدفعون إليهم المفاتيح ويقولون لهم قد أبحنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا ، فكانوا يتحرّجون من ذلك ويقولون : لا ندخلها وهم في غيب امتثالا لقوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)(١) فنزلت هذه الآية رخصة لهم.
ومعناها : نفي الحرج عن الزّمنى في أكلهم من بيوت أقاربهم أو بيوت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج للغزو وخلفه بحفظ ماله ؛ لأنّهم كانوا يتحرّجون أن يأكلوا مما يحفظونه ، فأعلمهم الله تعالى أنه لا جناح عليهم في ذلك (٢).
وذهب الحسن إلى أن معنى الآية : (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج في ترك الخروج إلى الجهاد).
قوله تعالى : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ؛) أي لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم ، أراد بهذا بيوت أبنائكم ونسلهم ، وإنّما أضاف بيوت الأبناء إليهم لأنّهم من أنفسهم ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : [أنت ومالك لأبيك](٣) ، ولهذا قابله ببيوت الآباء ، فقال : (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ ؛) ولم يقل بيوت أبنائكم ، فعلم أن المراد بقوله : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) أي بيوت أبنائكم وأزواجكم ، وبيت المرأة كبيت الزّوج.
__________________
(١) النساء / ٢٩.
(٢) نقله الطبري عن بعض المفسرين في جامع البيان : مج ١٠ ج ١٨ ص ٢٢٤.
(٣) رواه الإمام أحمد في المسند : ج ٢ ص ٢٠٤. وأبو داود في السنن : كتاب البيوع : الحديث (٣٥٣٠). والبيهقي في السنن الكبرى : الحديث (١٦١٧٧).