والرجلين والعينين وسائر الأعضاء ، (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ،) وأدخلت فيه روحا فصار بشرا بعد ما كان طينا يابسا ، (فَقَعُوا لَهُ ؛) على وجوهكم ، (ساجِدِينَ) (٢٩) ؛ أي خاضعين له بالتحيّة ، (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (٣٠) ؛ لآدم سجود تحيّة له ، وعبادة لله ، وقوله تعالى : (أَجْمَعُونَ) يدلّ على اجتماعهم في السّجود في حالة واحدة.
قوله تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ؛) (٣١) أي امتنع من السّجود لآدم ، (قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢ قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ ؛) أي كيف ينبغي أن أسجد له ، وأنا أشرف منه أصلا وهو ، (خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٣٣) ، من طين يتصلصل مجوّف محتاج إلى الطعام والشراب ، وهو من حمأ ، والحمأ ظلمة وسواد ، والمسنون من الحمأ منتن ، (قالَ ؛) الله تعالى : (فَاخْرُجْ مِنْها ؛) أي من الجنّة ، وقيل : من الأرض ، فألحقه بجزر البحار ، (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) (٣٤) ؛ أي مطرود من الرحمة ، مبعد من الخير ، (وَإِنَّ عَلَيْكَ ؛) مع هذا ، (اللَّعْنَةَ ؛) لعنة الله ولعنة الخلائق ، (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) (٣٥) ؛ يوم الجزاء وهو يوم القيامة ، وهو أوّل من عصى الله من أهل السّموات والأرض.
قوله تعالى : (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (٣٦) ؛ أي أجّلني إلى يوم يبعث الخلائق ، أراد الخبيث أن لا يذوق الموت ، (قالَ ؛) الله تعالى : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٣٨) أي وقت النّفخة الأولى حين يصعق من في السموات ومن في الأرض ، وبين النفخة الأولى والثانية أربعون سنة.
وهذا لم يكن إجابة من الله لإبليس إلى ما سأل ؛ لأنه لم يكن أجله ما دون آخر التكليف ثم أجّله إليه ، ولكن كان في علم الله أنه لم يسأل لكان أجله يمتدّ إلى آخر التكليف ، فيكون هذا جواب إهانة لا جواب له.
فلما لم يعط الخبيث ما سأل من النّظرة ، (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي ؛) أي خيّبتني من جنّتك ورحمتك ، (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ) لبني آدم ، (فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٣٩) ؛ من الشهوات واللذات حتى يختاروها على ما عندك.