قوله تعالى : (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) (٧١) ؛ أي من تاب من الشّرك وعمل صالحا ، ولم يكن من القبيل الذين قتلوا وزنوا ، فإنه يتوب الله ؛ أي يعود عليه بعد الموت متابا حسنا يفضّل على غيره بمن قتل وزنى ، فالتوبة الأولى رجوع عن الشّرك ، والثانية رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ؛) قال أكثر المفسّرين : الزّور ها هنا بمعنى الشّرك. قال الزجّاج : (الزّور في اللّغة الكذب ، ولا كذب فوق الشّرك بالله). وقال قتادة : (ولا يشهدون الزّور ، لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم) (١). وقال محمّد بن الحنفيّة : (لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) : اللهو والغناء واللّعب وأعياد اليهود والنّصارى والمجوس). وقال عليّ بن أبي طلحة : (شهادة الزّور). وكان عمر رضي الله عنه (يجلد شاهد الزّور أربعين جلدة ويسخّم وجهه ويطوف به في الأسواق) (٢). وعن عمر بن المنكدر أنه قال : بلغني (أنّ الله تعالى يقول يوم القيامة : أين الّذين كانوا ينزّهون أنفسهم عن سماع اللهو ومزامير الشّيطان؟ أدخلوهم رياض المسك. ثمّ يقول للملائكة : اسمعوا عبيدي تحميدي وثنائي وتمجيدي ، وأعلموهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
قوله تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) (٧٢) ؛ أي إذا مرّوا بالقول والفعل الذي لا فائدة منه مرّوا مكرمين صائنين أنفسهم عن الخوض في ذلك ، آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر بما قدروا عليه من قول إذا عجزوا عن الفعل ، ومن إظهار كرامة وتعبيس وجه إذا عجزوا عن القول.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) (٧٣) ؛ معناه : والذين إذا وعظوا بآيات ربهم ؛ أي بالقرآن ؛ لم يعاملوا فيها معاملة الأصمّ الذي لا يسمع ، والأعمى الذي لا يبصر ، ولكنّهم سمعوا وبصروا وانتفعوا بها وخرّوا ساجدين سامعين باكين مبصرين فيما أمروا به ونهوا عنه. والخرّ هو السّقوط.
__________________
(١) أخرجه ابن ابي حاتم في التفسير : الأثر (١٥٤٤٩).
(٢) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ٩٣٤. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٣ ص ٨٠.