قوله تعالى : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) أي أذلّاء منقادين لا يلوون أعناقهم إلى معصية. قال قتادة : (المعنى : لو شاء الله لأنزل عليهم آية يذلّون بها ، فظلّت جماعتهم لها خاضعين) (١). والأعناق : الجماعات ، يقال : جاءني عنق من الناس (٢) ؛ أي جماعة ، ولو كان المراد الأعناق التي هي الخارجة لقال : خاضعات.
قوله تعالى : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) (٥) ؛ أي ما يأتي جبريل عليهالسلام النبيّ صلىاللهعليهوسلم بشيء بعد شيء من القرآن إلّا كانوا معرضين عن ذلك. قوله تعالى : (فَقَدْ كَذَّبُوا ؛) أي بالقرآن ، (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٦) ؛ أي فسيأتيهم خبر ذلك في القيامة.
وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (٧) معناه : أولم ير أهل مكّة إلى الأرض كم أخرجنا فيها من كلّ صنف حسن في المنظر من النّبات بعد أن كانت ميتة لا نبات فيها. والزّوج : هو صنف وأضرب الحسن ، (والمعنى : من كلّ زوج نافع لا يقدر على إنباته إلّا ربّ العالمين) (٣) ، من أسود وأحمر وأصفر وأخضر ، وحلو وحامض مما يأكل الناس والأنعام. (والكريم في اللّغة : هو المحمود فيما يحتاج إليه) (٤) ، يقال : نخلة كريمة إذا طاب حملها أو كثر ، وناقة كريمة إذا كانت غزيرة اللّبن.
قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ؛) إنّ في اختلاف ألوان النبات للدلالة على وحدانيّة الله وكمال قدرته ، (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (٨) ؛ في علم الله ؛ أي قد سبق في علم الله أنّ أكثرهم لا يؤمنون ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٩) ؛ أي المنتقم من أعدائه الرّحيم بأوليائه.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٠١٩١). وابن أبي حاتم في التفسير : الأثر (١٥٥٣٤).
(٢) قاله الزجاج في معاني القرآن : ج ٤ ص ٦٤.
(٣) قاله الزجاج في معاني القرآن : ج ٤ ص ٥٦.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٠١٩١). وابن أبي حاتم في التفسير : الأثر (١٥٥٣٤).