قوله تعالى : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً ؛) يريد به النبوّة بعد نبوّة ، وإنّما أراد : زدني علما إلى علم وفقها إلى فقه ، (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (٨٣) ؛ أي بالنبيّين من قبلي في الدرجة والمنزلة والثواب. والصلاح هو الاستقامة على ما أمر الله به. وقوله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (٨٤) ؛ أراد به الثناء الحسن ؛ أي اجعل لي ثناء حسنا في الدّين يكون بعدي إلى يوم القيامة. وقد استجاب الله دعاءه حين أحبّه أهل الأديان كلّهم. وقيل : واجعل لي في ذرّيتي من يقوم بالحقّ ويدعو إليه ، وهو محمّد صلىاللهعليهوسلم ومن اتّبعه ، فإنّهم هم الذين أظهروا شرائعه وفضائله.
قوله تعالى : (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) (٨٥) ؛ أي أدخلني الجنّة واجعلني من الذين يرثون الفردوس ، (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (٨٦) ؛ أي من المشركين ، وإنّما دعا إبراهيم لأبيه لموعدة وعدها إياه ، فلما تبيّن له أنه عدوّ لله تبرّأ منه ، وكان هذا الدعاء قبل أن يتبرّأ منه. والضّالّ هو الذاهب عن طريق الحقّ.
قوله تعالى : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) (٨٧) ؛ أي لا تفضحني ولا تهتك ستري يوم القيامة ، يوم تبعث الخلق. وقيل : معناه : ولا تعذّبني يوم تبعث الخلائق ، وإنّما قال ذلك مع علمه أنه لا يخزيه ، إمّا على طريق التّعبّد وإما حثّا لغيره على أن يقتدي به في مثل هذا الدّعاء.
ثم فسّر ذلك اليوم ؛ فقال : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) (٨٨) ؛ أي لا ينفع ذا المال ماله الذي كان في الدّنيا ، ولا ينفعه بنوه ولا يواسونه بشيء من طاعتهم ، ولا يحملون شيئا من معاصيه ، وقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٨٩) ؛ يعني من الشّرك والنفاق ، فإنه ينفعه سلامة قلبه. وقيل : القلب السّليم هو الصحيح وهو قلب المؤمن ، وقلب الكافر المنافق مريض.
وقال أهل المعاني في تفسير هذه الآيات أقوالا غير هذه ، فقال بعضهم : معنى (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) أي الذي خلقني في الدّنيا على فطرته فهو يهدين في الآخرة إلى جنّته ، وقوله تعالى (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) أي يطعمني أيّ طعام شاء ، ويسقيني أيّ شراب شاء.