قال محمّد بن كثير : (صحبت سفيان الثّوريّ بمكّة ، فكان يأكل من السّبت إلى السّبت كفّا من الرّمل) (١). وعن الحجّاج بن عبد الكريم قال : (خرجت من بلخ في طلب إبراهيم بن أدهم فوجدته بحمص ، فسلّمت عليه ، فلبثت معه يومي ذلك ، فقال : لعلّ نفسك تنازعك إلى شيء من الطّعام؟ فقلت : نعم ، فأخذ رمادا وترابا وخلطهما وأعطانيه فأكلته ، ثمّ أقبل عليّ وأنشأ يقول :
اخلط التّراب بالرّماد وكله |
|
وازجر النّفس عن مقام السّؤال |
وقال أبو بكر الورّاق : (معنى يطعمني بلا طعام ، ويسقيني بلا شراب) يشبعني ربي ويرويني من غير علاقة ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : [إنّي أبيت يطعمني ربي ويسقيني](٢). وقال عليّ بن قادم : (كان عبد الله بن أبي نعيم لا يأكل في شهر إلّا مرّة! فبلغ ذلك الحجّاج ، فدعاه فأدخله بيتا وأغلق عليه بابه خمسة عشر يوما ، ثمّ فتحه ، ولم يشكّ أنّه قد مات ، فوجده قائما يصلّي ، فقال : يا فاسق أتصلّي بغير وضوء؟! فقال : يا حجّاج ؛ إنّما يأكل الطّعام من يخرج (٣) ويشرب ، فأنا على الطّهارة الّتي أدخلتني عليها هذا البيت) ، وقال ذو النّون : (معنى قوله تعالى (يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) أي يطعمني طعام المعرفة ، ويسقيني شراب المحبّة. ثمّ أنشأ يقول :
شراب المحبّة خير شراب |
|
وكلّ شراب سواه سراب |
وقال أبو يزيد البسطاميّ : (إنّ لله شرابا يقال له شراب المحبّة ، إدّخره لأفاضل عباده ، فإذا وصلوا اتّصلوا ، فهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر). وقال الجنيد : (يحشر النّاس يوم القيامة عراة إلّا من لبس لباس التّقوى ، وجياعا إلّا من أكل طعام المعرفة ، وعطاشى إلّا من شرب شراب المحبّة). وقوله تعالى (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ
__________________
(١) ذكره الثعلبي في التفسير : ج ٧ ص ١٦٧ ، وهو محمد بن كثير العبدي. ترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب : الرقم (٦٥٠٤) مات سنة (١٢٣) وثقه البخاري وأحمد وغيره.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الصوم : الحديث (١٩٦٦). ومسلم في الصحيح : كتاب الصوم : الحديث (٥٨ / ١١٠٣).
(٣) في المخطوط ذكر كلمة «يأكل» والصحيح ما أثبتناه لضرورة السياق.