تعالى : (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٩٨) ؛ أي تالله ما كنّا إلّا في ضلال مبين حيث سوّيناكم بربّ العالمين ، فأعظمناكم وعبدناكم وعدلناكم به ، يقرّون على أنفسهم بالخطأ ، (وَما أَضَلَّنا ؛) عن الهدى ، (إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) (٩٩) ؛ يعني الشّياطين. وقيل : أضلّونا الذين اقتدينا بهم ، (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) (١٠٠) ؛ يشفع لنا من الملائكة والنبيّين والمؤمنين حين يشفعون لأهل التوحيد ، (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (١٠١) ؛ أي ولا ذي قرابة يهمّه أمرنا. والحميم : القريب الذي تودّه ويودّك.
قال ابن عبّاس : (إنّ المؤمن يشفع يوم القيامة للمؤمن المذنب والصّديق الصّاحب الّذي يصدق في المودّة). وفي الحديث : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : [إنّ الرّجل يقول في الجنّة : ما فعل صديقي فلان؟ وصديقه في النّار ، فيقول الله عزوجل : أخرجوا له صديقه إلى الجنّة ، فيقول من بقي : فما لنا من شافعين ، ولا صديق حميم](١).
ثم قالوا : (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً ؛) أي رجعة إلى الدّنيا ، (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٢) ؛ المصدّقين بالتوحيد ليحلّ لنا الشفاعة كما حلّت لأهل التوحيد.
قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ؛) أي فيما أخبر من قصّة إبراهيم واختصام أهل النّار ، وتبرّؤ بعضهم من بعض لعبرة للعقلاء من بعدهم ، (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٠٤) ؛ أي الغالب على تعجيل الانتقام بالإمهال إلى أن يؤمنوا ، والمنعم عليهم بعد التوبة.
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (١٠٥) ؛ قال الزجّاج : (دخلت التّاء ها هنا ، و (قَوْمُ) مذكّر ؛ لأنّ المراد الجماعة) (٢) أي كذبت جماعة قوم نوح ومن قبله من الرّسل ، (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (١٠٦) ؛ عذاب الله
__________________
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ٩٤٢. وفي الجامع لأحكام القرآن : ج ١٣ ص ١١٨ ، وأخرجه الثعلبي في الكشف والبيان : ج ٧ ص ١٧٢ ، عن جابر بن عبد الله.
(٢) في معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ٧٣ ؛ قال الزجاج : معناه : (دخلت التاء ، وقوم نوح مذكّرون ؛ لأن المعنى كذّبت جماعة قوم نوح).