بتوحيده وطاعته ، وكان أخوهم من النّسب لا من جهة الدّين ، (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (١٠٧) ؛ على الرّسالة فيما بيني وبين ربكم.
وقيل : معناه : كنت أمينا فيكم قبل اليوم ، فكيف تتّهموني اليوم ، (فَاتَّقُوا اللهَ ؛) فيما أمركم به ، (وَأَطِيعُونِ) (١٠٨) ؛ فيما أدعوكم إليه وأطيعوني فيما أمركم به من الإيمان والتوحيد. (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ ؛) أي على الدّعاء إلى التّوحيد ، (مِنْ أَجْرٍ ؛) ما ، (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠٩) ؛ وقيل : ما أسألكم على تبليغ الوحي والرّسالة مالا فيصدّكم عن القبول منّي ، وتعتقدون فيّ الطمع. وقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (١١٠) ؛ أي اتّقوا عقاب الله ، وأطيعوا أمري ، وتكرير (فَاتَّقُوا اللهَ) : لأنّ الأول (اتّقوا الله وأطيعون) لأنّي رسول رب العالمين أمين ، والثاني (اتّقوا الله وأطيعون) لأنّي ما أسألكم عليه من أجر.
ف (قالُوا) له : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (١١١) ؛ أي أنقرّ بك ونصدّقك وقد اتّبعك سفلتنا وهم الأرذلون الأقلّون ، وكان قد آمن بنوح ضعفاء قومه وبنوه ، وكان أكثر من اتّبعه يخصّون بصناعات خسيسة مثل الحوك والأساكفة ، فلذلك قال له أشراف قومه : (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) ، ويقرأ : (وأتباعك الأرذلون) وهي قراءة يعقوب ؛ أي أشياعك وأهل دينك (١). قال الزجّاج : (والصّناعات لا تضرّ في باب الدّيانات) (٢) ، وقال عطاء : (يعنون بالأرذلون : المساكين الّذين ليس لهم مال).
قوله تعالى : (قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١١٢) ؛ أي قال نوح : ما أعلم أعمالهم وصنائعهم ، ولم أكلّف ذلك ، وإنّما كلّفت أن أدعوهم ، ولا أسأل عمّا كانوا يعملون ، ولا أطلب علم صنائعهم ، وإنّما العيب في المعاصي لا في خساسة الصّناعة.
__________________
(١) ينظر : إعراب القرآن للنحاس : ج ٣ ص ١٢٧.
(٢) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ٧٤.