قوله تعالى : (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) (١٨٥) ؛ أي من المخوّفين مثلنا ممّن له سحر ، (وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ؛) وما أنت إلّا آدميّ مثلنا ، (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) (١٨٦) ؛ فيما تقول.
قوله تعالى : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ ؛) أي جانبا من السّماء ، (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (١٨٧) ؛ أنّك مبعوث إلينا ، وأنّ هذا العذاب نازل بنا ، وهذا اذا قرأت (كسفا) بإسكان السّين ، وأما إذا فتحتها فهو جمع الكسفة وهي القطعة.
قوله تعالى : (قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) (١٨٨) ؛ أي هو أعلم بعملكم ، وبما تستحقّون من العذاب ، وبوقت الاستحقاق ، فينزل بكم العذاب على ما توجب الحكمة ، (فَكَذَّبُوهُ ؛) أي كذبوا شعيبا بعد ظهور الحجّة ، (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ؛) انشأ الله سحابة عليهم حتى أظلّتهم في يوم حرّ شديد ، فاجتمعوا تحتها مستجيرين بها بما نالهم من الحرّ ، فأطبقت عليهم وأمطرت عليهم نارا فأهلكتهم.
قال المفسّرون : وذلك أن الله تعالى كان قد حبس عليهم الرّيح سبعة أيّام ، وسلّط عليهم الحرّ حتى أخذ بأنفاسهم ولم ينفعهم ظلّ ولا ماء ، وكانوا يدخلون الاسراب ليبردوا فيها ، فإذا دخلوها وجدوها أشدّ حرّا من الظاهر ، فدخلوا أجواف السّرب ، فدخل عليهم الحرّ وأخذ بأنفاسهم ، فخرجوا هاربين الى البرّيّة ، فبعث الله عليهم سحابة أظلّتهم من الشّمس فوجدوا لها بردا ونسيما ، فنادى بعضهم بعضا حتى اجتمعوا كلّهم تحتها ، فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا ، فكان من أعظم يوم في الدّنيا ، فذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٩١).
والظّلّة : هي السّحابة التي أظلّتهم. قال قتادة : (بعث الله شعيبا إلى أمّتين : أصحاب الأيكة وأهل مدين ، فأمّا أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظّلّة ، وأمّا أهل مدين