وأما ذكر لفظ الإتيان في هذا ؛ فلأنّ أمر الله في القرب بمنزلة ما قد أتى ، كما قال تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)(١). قوله تعالى : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) ؛ أي تنزيها له تعالى بصفات المدح عمّا يشركون به من الأصنام.
قوله تعالى : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ؛) أي ينزّل الملائكة بالوحي ، (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ؛) قرأ الأعمش (ينزل) بفتح الياء وجزم النون وكسر الزّاي ، قال ابن عبّاس : (يعني بالملائكة جبريل وحده) ، ويسمّى الوحي روحا ؛ لأنّه تحيا به القلوب والحقّ ، ويموت الكفر والباطل.
قوله تعالى : (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) ؛ أي أن أعلموا بالتّخويف أن لا إله إلا الله ، (فَاتَّقُونِ) (٢) ؛ أي فاتّقوا المعاصي. قوله تعالى : (أَنْ أَنْذِرُوا) في موضع النصب بنزع الخافض ؛ أي بأن أنذروا.
قوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) ؛ أي ليستدلّ بهما على توحيد الله ، وليعمل بالحقّ ، (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣) ؛ من أن يكون له شريك. قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (٤) قال ابن عبّاس : (نزل في أبيّ بن خلف الجمحيّ حين قال (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)(٢)). والمعنى : خلق الإنسان من نطفة منتنة وأنعم عليه حالا بعد حال إلى أن أبلغه الحالة التي تخاصم عن نفسه ، فينكر إعادته بعد موته.
قوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها ؛) أي وخلق لكم الأنعام ، وهي ذوات الحقاف والأظلاف دون الحوافر. وقوله تعالى : (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ) ؛ أي ما يدفّيكم من أصوافها وأوبارها من الأكسية ونحوها ، ومن القلانس واللّحاف ، ومنافع أخر من ألبانها ونسلها ، والرّكوب والحمل عليها ، والفرش والبيوت من أصوافها. قوله تعالى : (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٥) ؛ يعني لحومها.
__________________
(١) النحل / ٧٧.
(٢) يس / ٧٨.